كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 4)

للشافعي: أحدهما - لا يجزىء، فإن العبادة البدنية إذا تقدمت على وقتها، لم يعتد بها. والثاني - أنها تجزئ للضرورة. وكان القفال يبني هذين القولن على أنه لو وافق صومُه شهراً بعد شهر رمضان، فصومه أداءٌ، أم قضاء؟ ووجه البناء أنا إن قدرناه قضاءً، فالقضاء لا يتقدم، وعبادة البدن لا تتقدم على وقتها، وإن قدرنا الصومَ في الشهر المتأخر أداء، بناء على ظنه فتخيُّلُ (1) ذلك في التقدم والتأخر على وتيرة واحدة.
فإن قيل: هل يناظر ما ذكرتموه من صور الخلاف والوفاق القولَ في خطأ الحجيج، فإنهم لو أخطئوا، فوقفوا يوم العاشر أجزأهم الوقوفُ، وإن اتفق غلطٌ في أهلّةٍ وترتب عليه الوقوف في الثامن، ففي إجزائه وجهان، وهذا يناظر تقدمَ شهر الأسير على شهر رمضان؟ قلنا: هذا تشبيهٌ من حيث الصورة؛ فإن الذي أوجبَ الفرقَ بين الثامن والعاشر عمومُ تصوّر الغلط في العاشر، وندور ذلك في الثامن، وأما غلط الأسير، فإنه على وتيرة واحدة في التقدم والتأخر، فلا ينبغي أن يُعتقد اتحاد مأخذ المسألتين.
2346 - ولو انجلى الإشكال، وقد بقي بعضُ شهر رمضان، فيجب صوم البقية، وفي إجزاء ما مضى طريقان: منهم من خرّجه على القولن، وهو (2) الوجه، ومنهم من قطع بأنه يجب استدراكه إذا اتفق إدراك شيء من الشهر.
وكان شيخي أبو محمد يقول: الاجتهاد في وقت الصلاة، في حق المحبوس، على الترتيب الذي ذكرناه في الصوم، في صورة الخلاف والوفاق. فأما المجتهد القادر على أن يَصْبر حتى يستيقن، إذا تقدمت [صلاته، لم يعتد] (3) بها قولاً واحداً.
2347 - ثم ذكر الشافعي: أن من فاته صوم أيامٍ من رمضان، لا يجب عليه رعاية الموالاة في القضاء، وقصد به الردّ على مالك (4)؛ فإنه أوجب المتابعةَ في القضاء
__________
(1) (ط): تتخيل.
(2) (ك): وهذا.
(3) في الأصل: صلاة، لم يعيّد. (بهذا الضبط).
(4) الذي رأيناه عند المالكية أن التتابع لا يجب، بل يستحب (ر. حاشية ابن حمدون: 2/ 520، الإشراف: 1/ 446 مسألة 680).

الصفحة 68