كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 5)

يشرطه" يعني خيارَ الخُلف (1) على ما سيأتي، ثم ردد قولَه في خيار الرؤية، وبيعِ الغائب. وهذا مقصود الباب، فقال: "إن جاز بيعُ خيار الرؤية"، فنقل الأئمة قولين عن الشافعي: في أن من اشترى عيناً لم يرها، فهل يصح العقد أم لا؟.
أحدهما: أنه لا يصح، وهو اختيار المُزني؛ فإن العين في العُرف تُعْلَم بطريق المعاينة، فإذا لم يرها المشتري، عُدّت مجهولة عُرفاً، واستقصاء الطريقة في الخلاف (2).
والقول الثاني: أن البيع صحيح؛ فإن المبيع متميَّز [والشرع] (3) قاضٍ باعتماد قول البائع، وعليه ابتنى قبول قوله في الملك وغيره، مما يشترط في صحة العقد.
التفريع على القولين:
2868 - إن حكمنا بفساد البيع، فأول ما نذكره تفصيلُ القول في الرؤية؛ فالمذهب أن من رأى شيئاً، ثم غاب عنه، فاشتراه على قرب العهد بالرؤية، والغالب على الظن أن المبيع لا يتغير في تلك المدة، فالبيع صحيح، والرؤية المتقدمة كالمقارِنة.
وحكى العراقيون والشيخُ أبو علي عن أبي القاسم الأنماطي أنه يشترط مقارنةَ الرؤية للعقد، ونزَّلها في البيع منزلة اشتراط اقتران حضور الشاهدين بعقد النكاح، ثم الشيخ حكى عن الإصطخري أنه قال: "كنت أناظر بعضَ من يذبّ عن الأنماطي، وكنت أُلزمه المسائلَ، وهو يرتكبها (4) حتى قلت: لو عاين الرجلُ ضيعةً وارتضاها، ثم
__________
(1) خيار الخلف: هو حق الفسخ لتخلف وصفِ مرغوبٍ اشترطه العاقد في المعقود عليه. كمن اشترى حصاناً على أنه من خيل السباق كامل التدريب، فوجده غيرَ ذلك، وهذا طبعاً غير خيار العيب بل فوات أمرٍ زائد. (الدكتور عبد الستار أبو غدة - الخيار وأثره في العقود: 2/ 719).
(2) يقصد في علم الخلاف، ولإمام الحرمين في هذا العلم أكثر من مؤلّف: منها: الدرّة المضية فيما وقع فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية، وقد وفقنا الله لتحقيقه، وغنية المسترشدين، والأساليب.
(3) مزيدة من (هـ 2).
(4) يرتكبها: لم أجد هذا اللفظ مصطلحاً من مصطلحات الجدل والمناظرة فيما راجعت من مؤلفات في هذا المجال، وكذلك لم أجده منصوصاً في المعاجم اللغوية، ولا في كشاف =

الصفحة 6