كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 7)

وشغلُ ذمة الغاصب في هذا القدر المظنون لا وجه له، فإنا وإن كنا نغلظ على الغصاب، فلا نُلزم ذممهم إلا على بصيرة وتثبّتٍ (1).
وإذا اختلف المالك والغاصب في مقدار القيمة، فالقول قول الغاصب، وكذلك المشتري من المقارَض -في مسألتنا- لو اختار ربُّ المال تغريمَه، لغرّمه مائةً كاملة.
وإذا كان كذلك، فلا يبقى للتردد في حق المقارَض والوكيل وجه؛ فإنه قد باع بيعاً فاسداً، وكان في اعتدائه كالمغتصب، فلا خروج لهذا القول في حقه.
4955 - فإن قيل: قد ينتج مما ذكرتموه فنٌّ من الإشكال: فإن كان ما يتغابن الناس بمثله محطوطاً عن الوكيل، وسببه أن القيمة مظنونةٌ، فيجب على مساق هذا أن لا تُشغلَ ذمةُ ضامنٍ بذلك المقدار. وإن كان ذلك معدوداً من القيمة، فالتسامح به لا وجه له، وحق الوكيل أن يبيع بثمن المثل، وكذلك المقارَض، فما وجه التلفيق في هذا؟
قلنا: هذا مقامٌ يتعيّن التثبتُ فيه. والأصل الذي يجب تأسيسُه أن القيمة التامة هي المتبع في الغرامات، وأبواب الضمان، وإنما التوقف في اعتبارها في قطع السرقة، على ما رمزنا إليه، وأحلنا استقصاءه على موضعه.
فإن قيل: القيمة مظنونةٌ. قلنا: لتكن كذلك؛ فإن معظم متمسكات الفقه ظنون، فلا محاشاة (2) من هذا، فارتد النظر إذاً إلى بيع الوكيل بأقلَّ من المائة، ولا مساغ لهذا إلا من جهة الأخذ من العرف؛ فإنا لو رددنا الأمرَ إلى صيغة الأمر بالبيع، فاسمُ البيع ينطلق على البيع بالغبن، وإنما لم ينفذ بيع الوكيل بالغبن، لأن أهلَ العرف لا يرون الأمرَ بالبيع متناولاً لهذا، والعرف هو المقيِّد للأمر المطلق، فإذا رأينا أهل العرف يتغابنون بالمقدار النَّزْر، فقد زال التقيد العرفي، ولزم تصحيح العقد بحكم الأمر بالبيع. هذا مَخْرجُ الكلام في هذا.
ويجب على حسب ذلك تزييف القول المحكي في الحط عن الوكيل البائع بالغبن؛ فإنا إذا أبطلنا تصرّفَه وألحقناه بالمعتدين، لم يبق للحط وجهٌ، وأي فقهٍ في قول
__________
(1) انتهى هنا قول القائل المقدّر.
(2) (ي)، (هـ 3): يتحاشى.

الصفحة 526