كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 13)

إنما نويته مقيّداً بثبوت المال، وهذا يُحْوِج إلى نوعٍ من البحث.
وإذا قال الرجل لامرأته: أنت بائن، ثم زعم أنه أضمر بقلبه تعليق الطلاق بصفة، كدخول الدار ونحوه، فالأصح أنه مدين فيما بينه وبين الله تعالى، كما سنذكره في مسائل الطلاق -إن شاء الله عز وجل- ولكن لا يقبل قوله باتفاق الأصحاب ظاهراً، وإنما ذلك الذي قدمناه في حكم الباطن والتديين.
فأما إذا قال: أنت بائن، وزعم أنه نوى طلاقاًً معلّقاً بصفةٍ، فهذه المسألة فيها تردد بين فحوى كللام الأصحاب: يجوز أن يقال: يُحكَمُ بوقوع الطلاق ظاهراً، كما لو صرح بالطلاق، وزعم أنه أضمر التعليق؛ فإن الكناية مع نية الطلاق بمثابة صريح الطلاق، وقد ألحقتها النية بالصريح، ثم إنه أضمر وراء ذلك تعليقاً، فكان حكمه أن يُدَيَّنَ. ويجوز أن يقال: لا يحكم بوقوع الطلاق ظاهراً؛ فإن النية ليست جازمة، ْواللفظة ليست مستقلة، فقد اعترف بنية مضطربة، فلا نحكم بوقوع الطلاق.
عُدْنا إلى المسألة التي كنا فيها: إذا لم يُعدِ الزوجُ ذكرَ المال، [فالوجه] (1) هاهنا ألاّ نحكم بوقوع الطلاق؛ لما بين قوله وقولها من الارتباط. ولكن ذكر القاضي فيه وجهين، وصحح ما لا يصح عندنا غيره.
هذا إذا ذكرت امرأة المال في استدعائها، وأعاد الزوج المال، أو لم يُعده.
8754 - فأما إذا قالت: خالعني، ولم تذكر مالاً، ولم تنو الطلاق، فقال الزوج: خالعتك، وزعم أنه نوى الطلاق، فأحسنُ مسلك في هذا أن نقول: أختلف أصحابنا في أن التخالع المعرَّى عن ذكر العوض هل يقتضي المالية؟ وقد ذكرناه وبيّناه على نظائرَ له. فإن قلنا: التخالع مقتضاه المال، وإن لم يجر فيه ذكرُه، فهو كما لو ذكرت المال. وقد مضى التفصيل فيه.
وإذا قلنا: مطلق التخالع لا يقتضي المال، وهي لم تَنْوِ طلبَ الطلاق، والزوج نواه، فالظاهر هاهنا يقع. فإن قيل: ألستم ذكرتم خلافاً في أن التخالع إذا عري عن ذكر العوض، ونوى الزوج الطلاق، فهل يفتقر ذلك إلى قبولها، وإن كان المال
__________
(1) في الأصل: والوجه.

الصفحة 348