كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 13)

وكذلك إذا [اتفقا] (1) على أن أحدهما لم ينو، فالألف لا تثبت بمجرد نية من ينوي، ولا يقع الطلاق من غير عوض، فلا طريق إلا مهر المثل.
وإن كان تنازعا في النية، فزعم أحدهما أنه نوى الدراهم المعلومة، وزعم الثاني أنه نوى الفلوس، فهذا فيه [تثبت] (2)؛ فإن لم يدع أحدهما على الثاني شيئاً، ولكن أخبر عن نية نفسه، فليس هذا محلَّ التحالف بلا خلاف، والسبيل فيه الرجوع إلى مهر المثل، كما قدمناه.
وإن قال الرجل مثلاً: عنيتُ الدراهم وعنيتِ أنت الدراهم، وقالت المرأة: عنيتُ الفلوس وعنيتَ أنت الفلوس، وادعى كل واحدٍ مع ما ذكرناه عِلْمَ صاحبه، فهذا موضع تردد الأصحاب، فمنهم من قال: يتحالفان، وهو بمثابة ما لو اختلفا في عوض الخلع تصريحاً به، فقال الزوج: خالعتك على ألف درهم وقالت: بل خالعتني على ألف فلس، ولو اختلفا كذلك، لتحالفا، ثم الرجوع إلى مهر المثل، وهذا الوجه هو الذي قطع به القاضي، وهو القياس إن يثبت الأصل الذي ذكرناه؛ فإن النية نازلة في هذا الأصل منزلة النطق المصرح به.
8767 - وذكر العراقيون وجهاً آخر: أن التحالف لا يجري؛ فإن هذا تحالفٌ في النية، والقياس أن يرجع في صفة كل نية إلى الناوي، وهذا يعارضه أن القياس أن يرجع في صفة كل قول إلى القائل، وفي صلة كل عقدٍ إلى العاقد، ثم إذا اختلف المتعاقدان في صفة العقد، تحالفا؛ إذ ليس أحدهما بأن يصدق أولى من الثاني، وإذا كانت النية مرجوع العقد، كانت كاللفظ، وليس كما لو وجد التناكر في نية الطلاق؛ فإنا إذا صدقنا الزوج، انعدم العقد، وهاهنا البينونة واقعة، والرجوع في صفتها إلى لفظ.
قال العراقيون: إذا قلنا: لا يتحالفان، فلسنا نحلّف واحداً منهما؛ إذ ليس أحدهما أولى من الثاني، ولو قدرنا تحليف كل واحدٍ منهما، لكان يقتضي هذا ألاّ
__________
(1) في الأصل: اتفقتا.
(2) في الأصل: تثبيت. والمعنى هنا: "فيه تفصيل".

الصفحة 361