كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 13)

هو مقتضى الحرمة، ومقتضى اللفظ مقابلةُ الألف بالثلاث.
وأما وجه النص، فهو أن الطلقات لا تُعنَى لأعيانها، وإنما الغرض الأحكامُ المرتبةُ عليها، والمقصود الأقصى منها الحرمةُ الكبرى، فإذا حصّلها الزوج بالطلقة الثالثة، فقد حصل تمام مقصودها، والعدد لعينه لا معتبر به، فإن الأموال إنما تقابل بمقاصدَ معقولةٍ.
فلا يبقى بعد ذلك إلا ما أورده المزني من إحالة الحرمة على الطلقات الثلاث، وقد يشبِّه المزني ذلك بإحالة السُّكر على الأقداح السابقة واللاحقة. وهذا موضع التثبت، [فللقدح الأول والأخير] (1) أثرٌ في العقل مخامرة وتخميراً. ولا يحصل بالطلقة الأولى من تحريم النكاح شيء، ولو فرض حصولٌ لا يتبعّض، وإذا شبه المشبه ما نحن فيه بتغريق السفينة بتثقيلها بكثرة الشِّحنة، وكلُّ قدرٍ يُغوِّص من السفينة قدراً، فلا نظر إلى هذه الأجناس، والذي نحن فيه ليس في معناها؛ فإن شيئاً من حرمة العقد لم يحصل، وإنما تحصل حرمةُ العقد خصلةً واحدةً -من غير ترتب وتبعّض- بالطلقة الثالثة.
ثم إذا وضح أن النظر إلى تحصيل المقصود، فالمناقشة في العلة لا معنى لها. وقد حصّل الزوج كلّ المقصود، وما كان حَصل من هذا المقصود شيء قبلُ.
وأما وجه مذهب المروزي، فهو أنها إن كانت جاهلةً، فقد ثبتت المقابلة على معادلة المسمى ما سألته من العدد، فيجب رعاية قصدها، وهي مقدورة. فأما إذا سألت الثلاث، والسؤال يتعلق بالاسقبال، فيستحيل حمل سؤالها على محالٍ، فيتعين حمله على المقصود الذي علمته.
وهذا ليس بشيء، وليس ينقدح إلا النص، ومذهبُ المزني؛ فإنه يجوز أن يقال: إذا علمت أنه لا يملك الثلاث، وسألت الثلاث، قصدت تنقيص المسمى، إذا استوفى الزوج ما يملك.
هذا بيان أصول المذاهب تمهيداً وتوجيهها.
__________
(1) ما بين المعقفين مكان كلمات مضطربة رسمت هكذا: " فلا قدح بل الآخر والأولة ".

الصفحة 396