كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 13)

كلامه على موافقة تقديرها، وعلى مقتضى مقابلتها، وإذا خالف كلامُ الزوج استدعاءَ المرأة، لم يكن كلامه إسعافاً، وإذا أظهر الزوج خلافاًً، صار مبتدئاً غير مجيب، فالذي يقتضيه القياس الحقُّ أن الطلقة الأولى لا تقع؛ لأنه ربط وقوعها بالتزام الألف، ولم يسبق من المرأة استدعاء ذلك، ولم تقبل أيضاًً الألف على حسب قوله بعد قوله (1)، وإذا لم تقع الطلقة الأولى، وقعت الطلقتان الأخريان رجعيتين. هذا هو الذي لا يجوز غيره، وإذا كان الكلام على مقتضى لفظٍ، وهو على حسب ما ذكرناه قطعاً ولم نصادف على مخالفته نصاً، فلا وجه للتماري في التعلّق بالحق.
هذا منتهى المراد في ذلك، نقلاً واستدراكاً.
والذي ذكره الأصحاب أن الطلقة الأولى تقع بثلث الألف، وتصير المرأة مختلعة، وهذا على نهاية الخبط (2) والفساد.
8814 - ولو قالت: طلقني ثلاثاًً بألف، فقال: أنت طالق طلقة مجاناَّ بلا عوض، وطلقتين بألف درهم. فنقدم على المسألة تجديد العهد بأن الرجعية هل تُخالع؟ وفي ذلك قولان: أصحهما - وهو المنصوص عليه في الجديد أن مخالعتها تصح؛ فإنه إذا كان يلحقها الطلاق بلا عوض يلحقها الطلاق بالعوض.
والقول الثاني - أن الطلاق بالعوض لا يلحقها، وهو منصوص عليه في القديم.
وهذه المسألة مفرعة على هذا الأصل، ونحن نصوّرها على وجهٍ لا يلحقها غائلة، ونعيد تصوير الأولى على حسبها حتى يتبين الغرض في النفي والإثبات، ثم نعود إلى ما في المسألة من غائلة، فنقول: إذا قالت: طلقني ثلاثاًً بألفٍ، فقال الزوج: طلقتك واحدة بثلث الألف، واثنتين مجاناً، فتقع الواحدة بثلث الألف، فإن الزوج موافق فيها موجب استدعاء زوجته، ولا تلحق الطلقتان بعدها؛ فإنها صارت مختلعة.
__________
(1) على حسب قوله بعد قوله: أي أن قوله صار ابتداء إيجاب يستدعي منها قبولاً بعده. (2) خالف الإمام أئمة المذهب كما رأيتَ، وقد استقرّ المذهب على رأي الإمام، فقد قال الرافعي والنووي عن كلام الإمام: " حسن متجه " وقالا عن رأي أئمة المذهب: " إنه بعيد " (ر. الشرح الكبير: 8/ 454. والروضة: 7/ 420).

الصفحة 400