كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 13)

ولو قال في جوابها وسؤالها كما مضى: أنت طالق واحدةً مجاناً بلا عوض، واثنتين بثلثي الألف. فهذا يخرّج على أن الرجعية هل تخالع؟ فإن قلنا: إنها تخالع، ثبت ثلثا الألف، وإن قلنا: إنها لا تخالع، فلا يثبت للزوج شيء من المال، ثم إذا لم يثبت المال، فالذي قطع به الأصحاب وقوع الطلاق من غير عوض. وهذا من الأصول، فليتنبه له الناظر، وليقف عنده؛ فإنا نبتدىء فنقول:
من طلق امرأته طلقةً رجعية، وقلنا: الرجعية لا تخالع، فإذا قال لها: أنت طالق على ألف درهم، فقالت: قبلت، فالطلاق يقع رجعياً؛ فإنه إن كان لا يلحقها الطلاق بعوض يلحقها الطلاق بغير عوض، فتصير الرجعية في هذا المقام كالمبذرة السفيهة. وقد نص الشافعي وأطبق الأصحاب على أن الزوج إذا قال لامرأته السفيهة المبذرة: أنت طالق على ألف درهم، فقالت: قبلت، فالطلاق يقع رجعياً.
ولا شك أن الرجعية في المعنى الذي ذكرناه بمثابة المبذرة، إذا تُصوِّر تطليقُها من غير عوض، وقد وُجد القبول منها على صيغةٍ واحدة، وهما من أهل العبارة، بل عبارة الرجعية إذا لم تكن مبذرة أولى بالصحة.
فإن عاود معترضٌ، وأبدى إشكالاً ينعكس على السفيهة، كان كلاماًً في غير موضعه. ثم الذي عليه التعويل في السفيهة أن الطلاق على صيغة المعاوضة يعتمد صورة القبول، ولا يعتمد اللزوم، والدليل عليه أنه إذا قال لامرأته المُطْلَقة (1): أنت طالق على زِقِّ خمر، فقالت: قبلت، وقع الطلاق، والمقبول لا يلزم. ولو التزمت مهر المثل في مقابلة قول الزوج، لم يقع شيء، فاستبان أن التعويل في وقوع الطلاق على التوافق في القبول، على شرط صحة العبارة. وسنُجري مسألة السفيهة بعد ذلك [ونزيدها] (2) كشفاً، والغرض المنتجز الآن تشبيه الرجعية بالمبذرة. وهذا واقعٌ لا رفع له.
فخرج من مجموع ما ذكرناه أنها إذا قالت: طلقني ثلاثاًً بألف، فقال: طلقتك واحدة بلا عوض، وطلقتين بثلثي الألف، فلا خلاف في وقوع الثلاث، ولكن إن
__________
(1) " المطلقة " أي غير المحجور عليها، فهي هنا في مقابلة السفيهة.
(2) في الأصل: وندبرها.

الصفحة 401