كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 13)

الأجنبي، وإن اختلعها بمالها، وأضاف المال إلى ملكها، فهذه المسألة التي ترددنا فيها وقوعاً أولاً، ثم أوضحنا سقوط الماليّة. وإن قال الزوج: اختلعتَها عن نفسك اختلاع الأجنبي، وبذلت مالَها بذلَ المغصوب، ولكن الاختلاع وقع مطلقاًً، فالظاهر في هذا تصديق الأب، فإنّ إضافة العوض إلى مالها أصدقُ شاهد فيه.
ولم يبق في المسألة إلا نظرٌ واحد، وهو أن صاحب التقريب ذكر الوجهين في وقوع الطلاق في البراءة عن المهر، ولم يذكر ذلك الوجه في اختلاعه بعبدها، والصحيحُ عندنا أنه لا فرق بين المسألتين إذا ظهر قصده التصرف عنها. وإن أردنا فرقاً، فتنزيل الخلع على البراءة نصٌّ في التصرف عنها في ذلك العقد، وتنزيله على عبدها قد يتأخر عن هذا، وفيما ذكرناه انتجاز المقصود بكماله.
8849 - ووراء ذلك مسألة: وهي أن الأب إذا قال: خالعها، وقد ضمنت لك براءتها عن مهرها، قال الأصحاب في هذه الصورة: المذهبُ وقوع الطلاق، وإذا وقع الطلاق، فهل يجب على الأب مال، فعلى وجهين: أحدهما - أنه لا يلزمه شيء كما لو قال: وأنت بريء أو على أنك بريء، فإن البراءة لا يصح ضمانها بل لا ينتظم الضمان فيها.
والوجه الثاني - أن الغرم يتعلق بالأب في هذه اللفظة، فإنه أضاف الضمان لنفسه.
وذكر بعض المحققين وجهاً مفصلاً حسناً، فقال: نراجعه فيما عنى الضمان، فإن قال: أردت ضمان البراءة في عينها من غير مزيد، لغا ضمانُه. وإن قال: أردت أنك إذا غرمت أو طالبت أديت عنك، فهذا التزام مالية، فيجوز أن يقتضي ضمانَها.
وهذه المسائل بجملتها فيما إذا جرت المخالعة إيجاباً وقبولاً، واستدعاءً وإسعافاً. فأما إذا قال الزوج: إن برئتَ عن صداقها، فهي طالق، فلا شك أن الطلاق لا يقع إذا كانت البراءة لا تحصل.
8805 - وقد حان أن نذكر ضابطاً على التحقيق، فنقول: إذا جرى التخالع إيجاباً وقبولاً، فالطلاق يعتمد صحةَ القبول، ثم ثبوت المالية يعتمد كون القابل من أهل الالتزام، وصحة العوض لا تخفى جهاتها.

الصفحة 429