كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 13)

والوجه الثاني - أن الخلع يفسد على معنى أن المسمى لا يثبت؛ فإن وضع الخلع على تنجيز تخليص المرأة بما تفتدي به نفسَها، والتي عُلّق طلاقها زوجة قبل وجود الصفة، وقد تتأخر الصفة، فكان ذلك مخالفاً لوضع الخلع، فلزم الرجوع إلى مهر المثل، ولا خلاف أن المال لا يثبت في ذمتها، ما لم تتحقق الصفة؛ فإن الطلاق يقع عندها، ويستحيل ثبوت المال عليها متقدماً على حصول الفراق.
وذكر شيخي أبو محمد وجهاً ثالثاً، حكاه عن [شيخه] القفال، وذلك أنه قال: من أصحابنا من فرق بين الابتداء إذا كان منه وبين ما إذا ابتدأت؛ فإن ابتدأ الزوجُ، وقبلت المرأة، صح البدل، وثبت المسمى، وإن ابتدأت المرأة بالاستدعاء ووضعت استدعاءها على تعليق الطلاق، لم يصح ذلك منها، وكان مآلُ الأمر بالرجوع إلى مهر المثل.
وهذا عندنا تخيل لا حاصل له؛ فإن التعليق إذا كان يقبل المقابلة بالمال، فإذا استدعت، فقد استدعت بالمال قابلاً للمقابلة، فلا أثر لتقدم قولها وتأخره.
وذكر القاضي وجهاً آخر- أن المال لا يثبت؛ لأن المعاوضة لا تقبل التعليق، وإذا لم يثبت المال، لم يقع الطلاق؛ فإنه علق على مال.
وهذا أولاً ضعيف؛ فإن وقوع الطلاق ينبغي أن يناط بالقبول، فإذا قال الزوج: أنت طالقٌ غداً بألف، فقالت: قبلت، فحصول القبول في هذه الصورة على صيغة حصول القبول في الطلاق المنجّز؛ إذ لا تعليق للطلاق بثبوت المال، وإنما تعليقه بصفة وبوقتٍ، فالمصير إلى أن الطلاق لا يقع غفلةٌ عظيمة. نعم، إن قيل: لا يثبت المال بجهة التعليق، فهو [فقهٌ] (1) على حال. ثم يجب أن يكون التفريع عليه أن الطلاق يقع رجعياً.
8861 - ومما يتعلق بهذا الفصل أن الرجل إذا علق الطلاق، وذكر مالاً، كما وصفناه، فقبلت المرأة، فلو أرادت المرأة الرجوعَ قبل وقوع الطلاق، لم تجد إلى ذلك سبيلاً؛ فإن الأمر استقر بالتعليق والقبول، وصار التعليق كالتطليق.
__________
(1) في الأصل: فقيه.

الصفحة 440