كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 13)

ثم قبلت، والشافعي لم ينص على الردة في هذه الصورة، وإنما ذكر الردة في الصورة الأولى.
وقد يجري في هذا نوع آخر من السؤال، وهي أنها لما ارتدت، كان يجب أن نجعل ارتدادها رجوعاً [منها] (1)؛ فإن الردة تُغنيها عن طلب الفراق، فهلا أشعرت الردة برجوعها؟ وسبيل الجواب أن الردة لا تَعْني الرجوعَ عن الاستدعاء، ولكن المرأة إذا لحقتها شِقوةُ الردة، لم تقصد بالردة أمراً سوى ما بدا لها، ثم الانفساخ حكم الشرع. فهذا وجه التنبيه على ذلك.
8870 - ومن تمام الكلام في ذلك أن الرجل إذا خالع امرأتين، ثم ارتدتا بعد الدخول، وقبلتا أو استدعتا وارتدا، وأجابهما الزوج، فإن أصرّتا، لم يخف حكمهما، وإن رجعتا، لم يخف أمرهما.
وإن أصرت إحداهما ورجعت الأخرى؛ فإن كان الاستدعاء منهما، ثم جرى الأمر كما ذكرنا، فهذا بمثابة ما لو استدعتا ولا ردة، فأجاب إحداهما. وقد مضى هذا.
وإن ابتدأ الزوج المخالعة، فارتدتا، ثم قبلتا، فقد يتجه ألاّ نصحّح قبولهما وإن عادتا؛ لتخلل الكلام؛ بناء على أن الكلام اليسير بين الإيجاب والقبول قاطعٌ؛ وليس هذا كالصورة الأولى.
وإن صححنا الخلع ولم نجعل الكلام في نفسه قاطعاً، فإن أصرتا أو عادتا، لم يخف الحكم. وإن أصرَّت إحداهما وعادت الأخرى، فليتأمل الناظر هذا الموقف؛ فإنَّ القبول في حق المُصِرَّة باطل؛ فقد ذكرنا أن إحداهما إذا قبلت دون الأخرى، لم يثبت الخلع في حق القابلة، ولم يقع الطلاق؛ فقد ينظر الناظر إلى أنهما قبلتا، ثم أبطلنا قبول إحداهما، وقد يخطُِر له تقريب هذا مما إذا كانت إحداهما محجورة، والأخرى مطْلَقة، وليس الأمر كذلك. فنجعل كما لو قبلت إحداهما، ولم تقبل الأخري؛ فإنا أبطلنا القبول في حق التي قبلت، وجعلنا كأنا لم تقبل، فوجود ذلك القبول وعدمه بمثابةٍ، ووضوح ذلك يغني عن كشفه. وقبول السفيهة صحيح إذا
__________
(1) في الأصل: " عنها ".

الصفحة 452