كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 13)

رجع إذا غرِم، وإن أطلقت الإذن، فغرم الأجنبي، فهل يرجع عليها؟ فعلى وجهين. وكان شيخي يقول: من ضمن مالاً عن إنسان بإذنه، ولم يشترط الرجوع عليه، فإذا غرِم، ففي الرجوع خلافٌ مشهور.
وإذا وكل رجلٌ رجلاً حتى اشترى له عبداً بمال في الذمة، فاشترى، وغرم الثمن، فالمذهب الذي يجب القطع به أنه يرجع على الموكِّل، وذلك أنه حصّل له ملكاً بعوض، فيبعد أن يعتقد المشتري سلامةَ الملك له في المبيع من غير عوض. وإذا اعترف الموكِّل بالتوكيل، لم يختلف الأصحاب في أنه لو أراد البائع مطالبته بالثمن، أمكنه، فالإذن في البيع إذاً بمثابة الإذن في الضمان مع التقيد بالرجوع.
وأبعد بعضُ أصحابنا، فألحق المشتري إذا ضمن بالضامن إذا غرم. وهذا بعيد.
والمرأة إذا أذنت لأجنبي في الاختلاع، ولم تذكر الرجوع عليها، فهذا بين الضمان وبين التوكيل بالشراء: شَبَهُه بالتوكيل من جهة أن منفعة الخلاص تعود إليها، كما أن الملك في المبيع يقع للموكِّل بالشراء. ويُضاهي الضمانَ من جهة أن الضامن يُتصور أن ينفرد بالضمان والأداء، والأجنبي يُتصور أن ينفرد بالاختلاع والتخليص.
فهذا بيان هذه المنازل. وحقيقةُ القول في الوكيل بالخلع والاختلاع ستأتي في فصلٍ مفرد بعد هذا، إن شاء الله عز وجل.
8873 - ثم اختلاعُ الأجنبي الزوجةَ مع كونه مُجْمَعاً عليه خارجٌ على مذهب الافتداء؛ فإن المرأة في أسر الزوجية، [وحِبَالة] (1) النكاح، وقد سمى الله تعالى الاختلاعَ افتداءً، وأثبته على صيغةٍ تُشعر بالرخصة، فقال عز وجل: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وشبه الشافعي اختلاعَ الأجنبي بافتداء الأسرى.
ولو قال الرجل لمالك المستولدة: أعتقها، ولك ألف، أو على ألف، فأعتقها، استحق الألفَ المسمى على باذله، وخرج هذا على مذهب التخليص والافتداء؛ فإن الملك في رقبة المستولدة لا يقبل النقل، كحق الزوج في زوجته.
ولو قال الرجل لمالك عبدٍ: أعتقه عنِّي بألفٍ، فأعتقه، صح، ووقع العتق عن
__________
(1) في الأصل: وجعالة.

الصفحة 454