كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 16)

واعتصام الذمي بذمةٍ عوضها في السنة دينار، وهو متوعد في استدامتها [وترك] (1) الإسلام بوعد الأبد، ولو خالف موجَبَ الذمة، انتقضت، والمسلم إذا خالف شرائعَ الإسلام لم ينتقض عصامه، ولم يزايله إسلامه، فهما متفاوتان في سبب العصمة تفاوتاً يزيد على تفاوت الحنطة الجيدة والرقبة (2)، والماليةُ في الأموال كالعصمة في الدماء.
وعصمة الرقيق أضعف من عصمة الحر؛ من جهة أن الحر يتوصل إلى إقامة كل عبد مقامَ الإهدار بتملكه، فيصير مهدر الدم في حقه، والذكورة والأنوثة، وما عداهما من المناقب ونقائضهما، لا تؤثر في التفاوت في العصمة، وهذا القائل لا يعد الأبوة والبنوة من أركان الكفاءة.
وهذه الطريقة، وإن كانت أحرى من الأولى، فالوفاء بتقريرها عسر، ولا يليق الخوض فيه، بهذا المجموع.
والذي نعتمده ونعتقده، أن الصفاتِ المرعيةَ في كفاءة الدم لا تندرج تحت معنى ضابط [يجري وينعكس] (3)، ولكن معتمد اندفاع القصاص عن المسلم إذا قتل الذميَّ الحر [الخبرُ] (4) [بحسب ما قررناه] (5) في مجموعات الخلاف (6)، ومعتمد اندفاع القصاص عن الحر بقتل العبد تشبيه النفس بالطرف، ولا مزيد على صاحب المذهب، وهو رضي الله عنه، لم يتعرض لمعنىً جامع، ولم يعتمد في مسألة قتل المسلم بالذمي
__________
(1) في الأصل: بترك.
(2) الرقبة: في لسان العامة من المزارعين في ريف مصر يعنون بها أردأ ما يكون من الحنطة لكثرة الشوائب بها مع رداءتها في نفسها، فهل هذا هو المعنى المقصود هنا؟ أُرجح ذلك. وإن كنت لم اْجده منصوصاً فيما هو مشهور من المعاجم. ولعله معرّبٌ. وربما كانت مصحفة عن كلمة (الردية).
(3) في الأصل: مجرى ونعكس.
(4) زيادة اقتضاها السياق.
(5) في الأصل: بحسب على ما قررناه.
(6) مجموعات الخلاف: المراد كتب الخلاف، وللإمام منها كتاب: (الدرّة المضية فيما وقع فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية) وقد أعاننا الله على تحقيقه وإخراج قسم منه والباقي قيد الإعداد (وليست هذه المسألة واردة فيه)، وله ثلاثة كتب أخرى في الخلاف مفقودة، لما نصل إلى خبرٍ عنها، هي (الأساليب) و (العمد) و (غنية المسترشدين).

الصفحة 12