كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 18)

والذي يوضح ذلك أن الجزية مقبولة من المجوس، وإن تحققنا أنه ليس بين أظهرهم كتاب، وإنما تعلقهم بشبهة الكتاب، كما قدمنا ذكره، ثم الجزية مقبولة منهم. فليكن الأمر كذلك فيما ذهبنا إليه.
ثم إذا ألحقناهم بأهل الكتاب، في أخذ الجزية منهم، فلا يحل مناكحتهم وذبائحهم؛ من جهة التردد الظاهر في تكذيبهم، ولو كان بقي من ينتمي إلى كتاب سوى التوراة والإنجيل، لرئي منهم حزب يعتزون إلى ملة، ويشتهرون بها، فمن هذا الوجه لا نبُيح المناكحة والذبيحة، ومن حيث إنه لا ينقطع الاحتمال يُحقن الدم بالجزية.
وهذا يناظر ما قدمنا ذكره في كتاب النكاح، حيث قلنا: المتهوّد الذي ينتهي جده العالي إلى التهوّد قبل المبعث، فالجزية مأخوذة منه، ومن ينتهي جده العالي إلى اليهود بعد مبعث المصطفى صلى الله عليه وسلم لا تؤخذ الجزيةُ منه، وقد انتوت (1) قبائل من العرب، فتهوّدت، وتنصّرت، وأشكل الأمر على نقلة التواريخ، فلم يحققوا أنهم تهوّدوا، أو تنصروا قبل المبعث أو بعده. وقد قال الشافعي نصاً: " الجزية مأخوذة منهم " (2)، ولا تحل المناكحة والذبيحة.
11436 - ومما يتعلق بهذه القاعدة أنا ذكرنا تردّداً في النصوص، واختلافَ أقوالٍ في أن من لا يكون من بني إسرائيل، ففي مناكحته كلام، فأما الجزية، فإنها مأخوذة. وإن كان [تمسكه] (3) بالدين بعد التغيير إذا كان الانتهاء إلى الدين قبل المبعث، فالجزية مأخوذة قولاً واحداً؛ تغليباً للحقن.
__________
(1) انتوت: أي تحوّلت: يقال: انتوى عن الأمر تحوّل عنه. (المعجم).
(2) ر. المختصر: 5/ 196.
ونص عبارة الشافعي رضي الله عنه: " انتوت قبائل من العرب قبل أن يبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وينزل عليه القرآن، فدانت دين أهل الكتاب، فأخذ عليه الصلاة والسلام الجزية من أكيدر دومة، وهو رجل يقال: إنه من غسان أو من كندة، ومن أهل ذمة اليمن وعامتهم عرب، فدلّ ما وصفت أن الجزية ليست على الأحساب، وإنما هي على الأديان ".
(3) مكان كلمة غير مقروءة بالأصل. (انظر صورتها).

الصفحة 10