كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب (اسم الجزء: 19)

غث؛ فإن المحرّم هو الترك والمسابّة، وقالوا: يحرم إذا قصد به القمار، وهذا أيضاً ليس بشيء؛ فإن القمار لا يلزم، والمحرم قصده وإلزامُه، والشطرنج في نفسه لا يتغير اللعب به. وقيل: كان سعيد بن جبير يلعب بالشِّطْرَنج استدباراً (1)، وما روي أن علياً رضي الله عنه مرّ بقومٍ يلعبون بالشطرنج، فقال: " ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون " (2) فهذا محمول على أنه رأى الشطرنج على صورة الفرس والفيل؛ فقال ما قال.
وأما اللعب بالنرد من غير قمارٍ، فحرام على ظاهر المذهب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللاعب بالنرد كعابد الوثن " (3)، وقال: " من لعب بالنرد، فقد عصى أبا القاسم " (4) وقد روي " ملعون من لعب بالنردشير ". وحكى صاحب التقريب عن ابن خَيْران أن النرد كالشطرنج، وحكاه العراقيون عن أبي إسحاق المروزي. فإن لم يثبت في النرد الأخبار التي ذكرناها، فلا فرق. وقد أطلق الشافعي
__________
(1) أثر سعيد بن جبير رواه الشافعي. قال المزني: سمعت الشافعي يقول: كان سعيد بن جبير يلعب بالشطرنج استدباراً، فقلت له: كيف يلعب بها استدباراً، قال: يوليها ظهره، ثم يقول: بأي شيء وقع، فيقول: بكذا، فيقول: أوقع عليه بكذا. (ر. المختصر: 5/ 257) وانظر: السنن الكبرى للبيهقي: 10/ 211، ومعرفة السنن والآثار: 7/ 431 ح 5956.
(2) أثر علي بن أبي طالب رواه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، ورواه البيهقي في الكبرى، وفي معرفة السنن والآثار (ر. السنن الكبرى: 10/ 212، معرفة السنن والآثار: 7/ 231، التلخيص: 4/ 379 ح 2673، إرواء الغليل للألباني: 8/ 288 ح 2672، وقال: هذا الأثر لا يثبت عن علي).
(3) حديث " اللاعب بالنرد كعابد الوثن " لم نقف عليه.
(4) حديث " من لعب بالنرد فقد عصى أبا القاسم " رواه أبو داود، وابن ماجه، ومالك، وأحمد، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي، كلهم من حديث أبي موسى الأشعري ولفظه " من لعب النردشير فقد عصى الله ورسوله ". والحديث حسنه الألباني في الإرواء (ر. أبو داود: الأدب، باب في النهي عن اللعب بالنرد، ح 4938، ابن ماجه: الأدب، باب اللعب بالنرد، ح 3762، الموطأ: 2/ 958، أحمد: 4/ 394، 397، 400، الحاكم: 1/ 50، البيهقي: 10/ 214، 215، التلخيص: 4/ 365 ح 2642، إرواء الغليل: 8/ 285 ح 2670).

الصفحة 20