كتاب نزهة المالك والمملوك في مختصر سيرة من ولي مصر من الملوك
قال: نعم.
وجعل يعدّ صنائعه معه، وإحسانه إليه، وهو يعترف بها.
فقال أحمد: فما الذي فعلته في ليلتك، وتقول: كيت وكيت. وأخبره بجميع ما جرى منه.
وقال: لقد أحسنت إلينا جاريتك إذ ردعتك عنّا.
فسكت التركيّ زمانا مطرقا، ورفع رأسه إلى السماء، وقال: يا ربّ قد ملّكته البلاد والعباد، وحكّمته في رقابنا، فما كانت هذه الكليمة الصغيرة حتى قلتها له؟
فلما علم أحمد منه سلامة الباطن قال: من تظنّ أنه أعلمني بذلك؟
قال: الله تعالى. لأنّ ما عندي أحد إلاّ جويرية صغيرة ولا يخرج (¬1) ويدخل بيتي غيري، وبابي مغلوق (¬2)، والمفتاح في صولقي، فمن أعلمك غيره؟
فلما علم أحمد من التركيّ سلامة الصدر قال: ألم تعلم أنّ (¬3) نحن الملوك يطلعنا الله تعالى على سراير ما في القلوب وضماير ما في النفوس، ويظهر لنا ذلك إذا ضمر (¬4) لنا أحدا (¬5) أمرا في أسارير وجهه، وفلتات لسانه، وما خفي علينا يطلعنا الله عليه، ولكن ما نؤاخذك.
فقال التركيّ: أنا تائب.
فخلع عليه أحمد وأحسن إليه، وصفح عنه، وأعطاه حليّا وجوهرا وقماشا فاخرا، وقال: هذا لجاريتك فقد ردّت غيبتنا.
ثم انصرف (¬6).
[سنة 279 هـ].
[وفاة المعتمد]
وفي رجب سنة تسع وسبعين ومايتين توفّي المعتمد (¬7) إلى رحمة الله، وبويع المعتضد يوم وفاته.
¬_________
(¬1) في الأصل: «ولا يخرج».
(¬2) الصواب: «مغلق».
(¬3) الصواب: «أنّنا».
(¬4) الصواب: «أضمر».
(¬5) الصواب: «أحد».
(¬6) انظر مثل هذه الحكاية في: آثار الأول للمؤلف 182 - 184.
(¬7) انظر عن (المعتمد على الله) في: تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 261 - 280 هـ). ص 447 - 249 رقم 200 وفيه حشدنا مصادر ترجمته.