كتاب نور وهداية

الأمم الماضية كان مجرماً سفّاكاً قتل تسعة وتسعين نفساً، ثم ندم وفكر في التوبة، وخاف ألاّ تقبل توبته، فسأل عن أعلم أهل الأرض ليستفتيه، فدلوه على راهب ليس بعالم، فسأله فقال له إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله فكمّل المئة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدُلّ على رجل عالم، فأتاه فقال له إنه قتل مئة نفس فهل له توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها ناساً يعبدون الله، فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.
فانطلق إليها، حتى إذا انتصف الطريق أتاه ملَك الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: إنه جاء تائباً ومقبلاً بقلبه إلى الله تعالى. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط. فأتاهم مَلَك في صورة آدمي فجعلوه حكماً بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيهما كان أدنى فهو له. فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي قصدها تائباً، فقبضته ملائكة الرحمة (¬1).
فيا أيها السامعون، إن باب التوبة مفتوح، والله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
وشرط التوبة ترك الذنب، والندم على الماضي، وعقد العزم على عدم العودة إليه. هذه حقوق الله، أما حقوق الناس فلا تصحّ التوبة منها إلا بأداء الحق لصاحبه أو أن يسامحك به؛ فإن أكلت
¬__________
(¬1) الحديث أخرجه الشيخان وابن ماجه وأحمد (مجاهد).

الصفحة 227