كتاب نور وهداية

ومرت الأيام فظهرت الخوافي وبرزت المخبَّآت، فإذا الرجل ينزع عنه جلد الغازي مصطفى كمال ويلبس جلد أتاتورك، ويأخذ في محاربة الإسلام ونقض بنائه في بلاد الترك حجراً حجراً وحلّ عُراه عُروةً عروة، حتى وصل إلى «أياصوفيا» التي أكرمها الله حين شرّف تلك الديار بالإسلام فجعلها مسجداً، فعاد بها فجعلها متحفاً، ولولا الخوف لأرجعها كنيسة!
وروّع ذلك القلوبَ المسلمة وآلمها وحزّ فيها، وانطلقت تقول فيه الألسنة والأقلام، فكان مما قيل مطلع قصيدة لحافظ إبراهيم ما أتمّها، ولو أتمها لكانت أروع ما قال:
أيا صوفيا حان التفرّقُ فاذكري ... عهودَ كِرامٍ فيكِ صَلّوا وسَلّموا
إذا عدتِ يوماً للصّليبِ وأهلِهِ ... وحلّى نواحِيَكِ المسيحُ ومَريمُ
فلا تُنكري عهدَ المآذن إنه ... على الله من عهد النّواقيسِ أكْرَمُ
وكنت يومئذ في مكة، فكتبت مقالة نُشرت بعدُ في الرسالة (سنة 1935) (¬1) كان مما قلت فيها: إن تلك العصبة لم يَشْفِ غيظَ قلوبها كلُّ ما صنعته بالإسلام وما أنزلته بأهله، فعمدت إلى بيت من بيوت الله تقام فيه شعائر الله فجعلته بيتاً للأصنام ومثابة للوثنية! أماتت فيه التوحيدَ وأحيت فيه الشرك، وطمست منه آيَ القرآن وأظهرت فيه الصور والأوثان. لم تَضِقْ بها الأرضُ حتى ما تجد مكاناً لمتحفها هذا إلا المسجد الجامع، ولكنّ النفوس
¬__________
(¬1) انظر مقالة «الشريف عدنان»، وهي منشورة في كتاب «من نفحات الحرم» (مجاهد).

الصفحة 257