كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 1)
الرِّوَايَةِ الْمَوْقُوفَةِ فِي نَسْخِ حَدِيثِ السَّبْعِ وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيه عَنْهُ، وَكَيْفَ يَجُوزُ تَرْكُ رِوَايَةِ الْحُفَّاظِ الْأَثْبَاتِ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ لَا يَكُونُ مِثْلُهَا غَلَطًا بِرِوَايَةِ وَاحِدٍ قَدْ عُرِفَ بِمُخَالَفَةِ الْحُفَّاظِ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الطَّحَاوِيِّ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْآثَارِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَى الْمَوْقُوفَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ، إلَخْ، ثُمَّ قَالَ: فَثَبَتَ بِذَلِكَ نَسْخُ السَّبْعِ لِأَنَّا نُحْسِنُ الظَّنَّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتْرُكُ مَا سَمِعَهُ1 مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَّا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ، وَلَمْ يُقْبَلْ رِوَايَتُهُ، بَلْ كَانَ يَجِبُ عَلَى الْخَصْمِ الْمُخَالِفِ أَنْ يَعْمَلَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ يُغْسَلُ يسبعاً، وَيُعَفِّرُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ، لِأَنَّهُ قَدْ زَادَ عَلَى السَّبْعِ، وَالْأَخْذُ بِالزَّائِدِ أَوْجَبُ عَمَلًا بِالْحَدِيثَيْنِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ الْأَمْرِ الْوَارِدِ بِالسَّبْعِ، قُلْتُ: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يُغْسَلُ الْإِنَاءُ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ. وَأَبِي دَاوُد طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، انْتَهَى. وَهُوَ أَوْلَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ سُؤْرِ الْكَلْبِ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِإِرَاقَتِهِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ3 وَقَالَ فِيهِ: إذَا شَرِبَ، عِوَضَ: إذَا وَلَغَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَغَيْرُ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، كُلُّهُمْ يَقُولُونَ: إذَا وَلَغَ، وَهُوَ الَّذِي يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَقَالَ الْحَافِظُ: أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي صَحِيحِهِ مَا مَعْنَاهُ: أَنَّ مَالِكًا قَدْ انْفَرَدَ عَنْ الْكُلِّ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ: قَالَ: فَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ. وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَقَالُوا: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ. وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، وَرَوَاهُ عُبَيْدُ بْنُ حُسَيْنٍ. وَثَابِتٌ الْأَعْرَجُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ.
وَأَبُو يُونُسَ سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ. وَأَبُو صَالِحٍ. وأبو زرين، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاتَّفَقُوا عَلَى قَوْلِهِ: إذَا وَلَغَ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ من غير
__________
1 هذا كما استدل الشافعي رحمه الله على نسخ حديث الماء من الماء قال الحازمي ص 22: قال الشافعي رحمه الله تعالى: إنما بدأت بحديث أبي بن كعب، في قوله: الماء من الماء ونزوعه أن فيه دلالة على أنه سمع الماء من الماء من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يسمع خلافه، فقال به، ثم لا أحسبه تركه إلا أنه ثبت له أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال بعد ما نسخه، اهـ.
2 البخاري ص 29 ومسلم: ص 137 في الطهارة والترمذي ص 14، واللفظ له.
3 ومن طريق البخاري
الصفحة 132