كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 1)

والمتن خطأ يذهل عنه المصححان، ونراجع المخرج، فنلقى الحديث هناك صحيحاً، لم يتوجه إليه المصححان في نسخة الكتاب، ومثل هذا كثير، ثم نجد أسماء مكررة في صفحة واحدة مثلاً: هزيل. وزريع وخيثم، مثلاً. فيكون تارة - هذيل بالذال وتارة بالزاي، و زريع - تارة بالزاي، وتارة بالذال، وخيثم - تارة بتقديم التحتانية على المثلثة، وأخرى بالعكس، ولا يتوجه المصححان إلى تصحيحها، وجعلها على نمط واحد، وظاهر أن الزاي في الأوليين هنا، وتقديم التحتانية في الثالث متعين، فاضطررنا إلى جمع الكتب من الأصول المتعلقة به، وألجئنا إلى المقابلة بنسخة دار الكتب، وزالت الثقة على التصحيح السابق، وخاب الرجاء، وقام بأعباء هذا التصحيح الأخير للكتاب، صديقنا الفاضل السيد أحمد رضا ولاقى فيه عناءً وعنتاً. ولا نغمض من منزلة تصحيح المصححين ما يستحقانه، وإن لهما الفضل في التصحيح، وصححا أكثر بكثير مما لم يصححا، ونعلم أن ذلك لكثرة الأغلاط، فوقع ما وقع، ولم يبق من الأغلاط إلا نحو ربع منها، غير أنا نحاول لفت النظر إلى عنايتنا بالتصحيح، وإفراغ مجهودنا في مثل هذه الظروف الضيقة.
ثم إن الضغث على الإبالة، أن فضيلة المحشي صحح نسخته التي يملكها، وحشى على هوامشها، وترك نسخة المجلس التي فوضها إليه المجلس لهذا الغرض، ثم لم يسمح بنسخته بالإعارة، مع شدة الحاجة إليها، فألجئنا إلى نقل التصحيحات والتحشية، ثم بقيت في النقل أغلاط، وسقطات في العبارات، فزاد الأمر غمة، حتى اضطر المحشي إلى إرسال نسخته إلى القاهرة بالبريد، ثم إنا نرى في كثير من المواضع، الحواشي كالمذكرة غير مرتبة، وغير مهذبة، فافتقرنا في ترتيبها إلى زيادة كلمات ونقصها، وقصارى القول: إنه استعرضت أمثال هذه الأمور المتعبة في أثناء شغل الطبع، حتى عاقتنا عن كثير من المهمات العلمية التي حاولنا أن نقضيها في عهد الإقامة بالقاهرة، ولم ندرك المقابلة بالالتزام، مع نسخة دار الكتب إلا من الجزء الثاني، نعم أدركنا كثيراً من الأغلاط في الجزء الأول، حيث انتبهنا لها، ولا سيما الملزمة الأولى، فإنا أعدنا طبعها بسبب أغلاط فاحشة بقيت فيها على غرة منا بالتصحيح السابق، ومن المشكل أن نذكر نماذج تلك التصحيحات، ونكلف الناظرين على الثناء على كل لفظة لفظة، ومن أجل هذا لم ننبه على الخطأ في الهوامش في الطبع السابق، بل التزمنا التصحيح، وعند اختلاف النسخ سلكنا مسلك الترجيح، فإن لم يترجح جانب أشير الاختلاف في الهوامش، ولا حاجة هنا إلى بسط الأمثلة، ففي سبيل الله ما لاقينا من العنت البالغ، والكبد في التصحيح، وما بذلنا من المجهود البشري، وعلمنا أن من أصعب الأمور أمر التصحيح، ومع هذا لا ندعي أنا استوفينا حق التصحيح، ولا ندعي أنه لا يجد
انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: وَقَدْ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ حَدِيثَ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفَّ عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وفاطمة كساءاً، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: حَدِيثُ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ أَشْهَرُ إسْنَادٍ1 فِيهِ حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَكَانَ حَمَّادٌ يَشُكُّ فِي رَفْعِهِ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ قَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ يَرْوِيهِ عَنْ حَمَّادٍ، وَيَقُولُ: هُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ، انْتَهَى. قُلْت: قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى حَمَّادٍ، فَوَقَفَهُ ابْنُ حَرْبٍ عَنْهُ، وَرَفَعَهُ أَبُو الرَّبِيعِ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا عَلَى مُسَدَّدٍ عَنْ حَمَّادٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ الرَّفْعُ، وَرُوِيَ عَنْهُ الْوَقْفُ، وَإِذَا رَفَعَ ثِقَةٌ حَدِيثًا، وَوَقَفَهُ آخَرُ، أَوْ فَعَلَهُمَا شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي وَقْتَيْنِ تَرَجَّحَ الرَّافِعُ، لِأَنَّهُ أَتَى بِزِيَادَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الرَّجُلُ حَدِيثًا، فَيُفْتِي بِهِ فِي وَقْتٍ وَيَرْفَعُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَهَذَا أَوْلَى من تغليظ الرَّاوِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ2 فِي سُنَنِهِ عَنْ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حبيب بن زيد بن عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ"، انْتَهَى، وَهَذَا أَمْثَلُ إسْنَادٍ فِي الْبَابِ لِاتِّصَالِهِ وَثِقَةِ رُوَاتِهِ، فَابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. وَشُعْبَةُ. وعباد احتج بهما الشَّيْخَانِ، وَحَبِيبٌ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ فِي أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ3 احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ ثَنَا غُنْدَرٌ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ لِاتِّصَالِهِ وَثِقَةِ رُوَاتِهِ، قَالَ: وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالِاضْطِرَابِ فِي إسْنَادِهِ، وَقَالَ: إنَّ إسْنَادَهُ وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابن جريح عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَتَبِعَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وقال: إن ابن جريح الَّذِي دَارَ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ يُرْوَى عَنْهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ يَقْدَحُ فِيهِ، وَمَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَدِيثَانِ: مُسْنَدٌ. وَمُرْسَلٌ، انْتَهَى. فَانْظُرْ كَيْفَ أَعْرَضَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ. وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَيْنِ، وَاشْتَغَلَ بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَزَعَمَ أَنَّ إسْنَادَهُ أَشْهَرُ إسْنَادٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَتَرَكَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، وَهُمَا أَمْثَلُ مِنْهُ؟! وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ تَحَامُلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ5 فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا عَمْرُو
__________
1 كذا في الأصول، والأنسب نصب إسناد على التمييز.
2 ص 35.
3 وفي الدراية: ص 17 قد اختلط.
4 ص 36
5 ص 35.

الصفحة 19