كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 1)

أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلِ2، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ"، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا3 عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَعَائِشَةَ، قَالَا: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنَانِ: بِلَالٌ. وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يؤذن ابن أم مَكْتُومٍ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ4 عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ آذَانُ بِلَالٍ مِنْ سُحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ"، أَوْ قَالَ: "يُنَادِي بِلَيْلٍ: لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ، وَيَنْتَبِهَ نَائِمُكُمْ، وَلَيْسَ الْفَجْرُ5 أَنْ يَقُولَ: وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ فَرَفَعَهَا إلَى فَوْقَ، وَطَأْطَأَ إلَى أَسْفَلَ، حَتَّى يَقُولَ: هَكَذَا"، وَقَالَ زُهَيْرٌ: بِسَبَّابَتَيْهِ: إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى، ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ أَحَادِيثَ: إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ خَطَأً، عَلَى ظَنِّ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ6 لَا يَغُرَّنَّكُمْ آذَانُ بِلَالٍ، فَإِنَّ فِي بَصَرِهِ سُوءًا وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَحَدِيثٌ أَخْرَجَهُ هُوَ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ: "إنَّك تُؤَذِّنُ إذَا كَانَ الْفَجْرُ سَاطِعًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ الصُّبْحَ إنَّمَا الصُّبْحُ هَكَذَا: مُعْتَرِضًا"، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ بِطُلُوعِ مَا يَرَى أَنَّهُ الْفَجْرُ، وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ بِفَجْرٍ، قَالَ: وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "إنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ: فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ"، قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا مِقْدَارُ مَا يَنْزِلُ هَذَا، وَيَصْعَدُ هَذَا، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَ آذَانِهِمَا مِنْ الْقُرْبِ مَا ذَكَرْنَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْصِدَانِ وَقْتًا وَاحِدًا، وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ، لَكِنْ بِلَالٌ يُخْطِئُهُ، وَيُصِيبُهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ الْجَمَاعَةُ: أَصْبَحْت أَصْبَحْت.
وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ لهذا التأويل بحديث الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ7 عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ8 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ خَالِدٍ النَّيْسَابُورِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ
__________
1 في باب أذان الأعمى ص 86، ومسلم في الصوم - في باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر ص 349.
2 قال ابن حزم: وهذا حق، إلا أنه كما ذكرنا من أنه لم يكن أذان الصلاة محلى ص 119 - ج 3، قال: ولم يأت في شيء من الآثار التي احتجوا بها ولا غيرها: أنه عليه السلام اكتفى بذلك الأذان لصلاة الصبح، بل في كلها، وغيرها أنه كان هنالك أذان آخر بعد الفجر.
3 البخاري في الصيام - في باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال" ص 157، ومسلم: ص 350، واللفظ له.
4 في باب الأذان قبل الفجر ص 87، واللفظ له، ومسلم: ص 350.
5 لفظ البخاري هكذا: ليس أن يقول الفجر.
6 هو حديث أنس.
7 في باب من روى النهي عن الأذان قبل الوقت ص 383.
8 هذا خطأ، فإن الحاكم في السند المتقدم على هذا الحديث.

الصفحة 288