كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 1)

يُجْزَمُ بِصِحَّتِهَا، كَزِيَادَةِ مَالِكٍ، وَفِي مَوْضِعٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهَا، كَزِيَادَةِ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ فِي حَدِيثِ: جُعِلَتْ الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، وَكَزِيَادَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، وَفِي مَوْضِعٍ يجزم بخطأ الزيادة، كَزِيَادَةِ مَعْمَرَ، وَمَنْ وَافَقَهُ، قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ، وَكَزِيَادَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ - ذَكَرَ الْبَسْمَلَةَ - فِي حَدِيثِ قَسَّمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعْمَرُ ثِقَةً. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ ضَعِيفًا، فَإِنَّ الثِّقَةَ قَدْ يَغْلَطُ، وَفِي مَوْضِعٍ يغلب على الظن خطأها، كَزِيَادَةِ مَعْمَرٍ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَسُئِلَ هَلْ رَوَاهَا غَيْرُ مَعْمَرٍ؟ فَقَالَ: لَا، وَقَدْ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَقَالَ فِيهِ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى مَعْمَرٍ فِي ذَلِكَ، وَالرَّاوِي عَنْ مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَالَ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، وَفِي مَوْضِعٍ يَتَوَقَّفُ فِي الزِّيَادَةِ، كَمَا فِي أَحَادِيثَ كثيرة، وزياد نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ التَّسْمِيَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يُتَوَقَّفُ فِيهِ، بَلْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ ضَعْفُهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ قَالَ بِالْجَهْرِ، لِأَنَّهُ قَالَ: فَقَرَأَ، أَوْ فَقَالَ: بسم الله الرحمن الرحيم، وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قِرَاءَتهَا سِرًّا أَوْ جَهْرًا، وَإِنَّمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَا يَرَى قِرَاءَتَهَا، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَسَرَّ بِالْبَسْمَلَةِ، ثُمَّ جَهَرَ بِالْفَاتِحَةِ لَمْ يُعَبَّرْ عن ذلك نعيم بعبارة واحدة متناولة الفاتحة وَالْبَسْمَلَةِ تَنَاوُلًا وَاحِدًا، وَلَقَالَ: فَأَسَرَّ بِالْبَسْمَلَةِ، ثُمَّ جَهَرَ بِالْفَاتِحَةِ، وَالصَّلَاةُ كَانَتْ جَهْرِيَّةً بِدَلِيلِ تَأْمِينِهِ، وَتَأْمِينِ الْمَأْمُومِينَ، قُلْنَا: لَيْسَ لِلْجَهْرِ فِيهِ تَصْرِيحٌ وَلَا ظَاهِرٌ يُوجِبُ الْحُجَّةَ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَدَّمُ عَلَى النَّصِّ الصَّرِيحِ الْمُقْتَضِي لِلْإِسْرَارِ، وَلَوْ أُخِذَ الْجَهْرُ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ لَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ قَالَ: فَقَرَأَ بسم الله الرحمن الرحيم، ثُمَّ قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: فَقَرَأَ، أَوْ قَالَ، لَيْسَ بِصَرِيحٍ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَخْبَرَ نُعَيْمًا بِأَنَّهُ قَرَأَهَا سِرًّا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهَا مِنْهُ فِي مُخَافَتَةٍ لِقُرْبِهِ منه، كما ورى عَنْهُ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِفْتَاحِ، وَأَلْفَاظِ الذِّكْرِ فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، فَلِمُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقُولُ إذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ: "وَجَّهْت وَجْهِي"، إلَى آخِرِهَا، وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت"، وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِذَا تَشَهَّدَ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ"، إلَى آخِرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ سَمَاعُ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ مِنْهُ دَلِيلًا عَلَى الْجَهْرِ، وَكَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَأَيْضًا فَلَوْ سَاغَ التَّمَسُّكُ عَلَى الْجَهْرِ
__________
1 في التهجد في باب صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودعائه بالليل، ص 263.

الصفحة 337