كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 1)

وَالْفَصْلِ إلَى غَايَةٍ يُظَنُّ بِهِ النِّسْيَانُ، وَمَعَ ذَلِكَ، فَالشَّافِعِيَّةُ يَكْرَهُونَ إطَالَتَهُمَا، وَعِنْدَهُمْ وَجْهَانِ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهَا، فَهَلَّا كَانَ حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ إطَالَتِهِمَا مَعَ صِحَّتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، كَمَا كَانَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ وَالْجَهْرِ بِهَا، مَعَ عِلَّةِ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَأَيْضًا، فَيَلْزَمُهُمْ1 أَنْ يَقُولُوا بِالْجَهْرِ بِالتَّعَوُّذِ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَوَى: أَخْبَرَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ عن صالح بن أَبِي صَالِحٍ2، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ رَافِعًا صَوْتَهُ فِي الْمَكْتُوبَةِ إذَا فَرَغَ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ: رَبّنَا إنَّا نَعُوذُ بِك مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَهَلَّا أَخَذُوا بِهَذَا، كَمَا أَخَذُوا بِجَهْرِ الْبَسْمَلَةِ مُسْتَدِلِّينَ بِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ3، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ، وَإِنْ لَمْ تُزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ، وَكَيْفَ يُظَنُّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُرِيدُ التَّشْبِيهَ فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4، قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: "قَسَّمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ: فَنِصْفُهَا لِي. وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ اللَّهُ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ اللَّهُ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الْعَلَاءِ بن عبد الرحمن عن أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فذكره، وعن مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَإِلَّا لَابْتَدَأَ بِهَا، لِأَنَّ هَذَا مَحِلُّ بَيَانٍ وَاسْتِقْصَاءٍ لِآيَاتِ السُّورَةِ، حَتَّى إنَّهُ لَمْ يُخِلَّ مِنْهُمَا بِحَرْفٍ، وَالْحَاجَةُ إلَى قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ أَمَسُّ لِيَرْتَفِعَ الْإِشْكَالُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثُ الْعَلَاءِ هَذَا قَاطِعُ تَعَلُّقِ الْمُتَنَازِعِينَ، وَهُوَ نَصٌّ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَلَا أَعْلَمُ حَدِيثًا فِي سُقُوطِ الْبَسْمَلَةِ أَبْيَنَ مِنْهُ، وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بأمرين: أَحَدُهُمَا: قَالَ: لَا يُعْبَأُ بِكَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ، فَإِنَّ الْعَلَاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ، فَقَالَ: النَّاسُ يَتَّقُونَ حَدِيثَهُ، لَيْسَ حَدِيثُهُ بِحُجَّةٍ، مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، لَيْسَ بِذَاكَ، هُوَ ضَعِيفٌ، رُوِيَ عَنْهُ جَمِيعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَدْ انْفَرَدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ،
__________
1 في نسخة فلزمهم.
2 وفي نسخة عن أبي صالح.
3 البخاري في باب القراءة في الفجر ص 106، ومسلم في باب وجوب قراءة الفاتحة ص 170.
4 حديث أبي هريرة هذا أخرجه في صحيحه - في باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ص 169.

الصفحة 339