كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 1)

لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ مَنْ تَدَبَّرَهَا عَلِمَ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ هَذَا بَاطِلٌ، أَوْ مُغَيَّرٌ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَدْ يُتَمَحَّلُ فِيهِ، وَيُقَالُ: إنْ كَانَ هَذَا الْإِنْكَارُ عَلَى مُعَاوِيَةَ مَحْفُوظًا، فَإِنَّمَا هُوَ إنْكَارٌ لِتَرْكِ إتْمَامِ التَّكْبِيرِ، لَا لِتَرْكِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَرْكَ إتْمَامِ التَّكْبِيرِ كَانَ مَذْهَبَ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَأُمَرَائِهِمْ عَلَى الْبِلَادِ، حَتَّى إنَّهُ كَانَ مَذْهَبَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّكْبِيرِ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَحِينَ يَسْجُدُ بَعْدَ الْقُعُودِ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِمْ عَلَيْهِ تَرْكَ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْضًا.
وَبِالْجُمْلَةِ، فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا لَيْسَ فِيهَا صَرِيحٌ صَحِيحٌ، بَلْ فِيهَا عَدَمُهُمَا، أَوْ عَدَمُ أَحَدِهِمَا، وَكَيْفَ تَكُونُ صَحِيحَةً، وَلَيْسَتْ مُخَرَّجَةً فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّحِيحِ، وَلَا الْمَسَانِيدِ، وَلَا السُّنَنِ، الْمَشْهُورَةِ؟! وَفِي رِوَايَتِهَا الْكَذَّابُونَ. وَالضُّعَفَاءُ. وَالْمَجَاهِيلُ الَّذِينَ لَا يُوجَدُونَ فِي التَّوَارِيخِ، وَلَا فِي كُتُبِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، كَعَمْرِو بْنِ شِمْرٍ. وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ. وَحُصَيْنِ بْنِ مُخَارِقٍ. وَعَمْرِو بْنِ حَفْصٍ الْمَكِّيِّ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ. وَأَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ. وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ. وَابْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيِّ، الْمُلَقَّبِ بِجِرَابِ الكذب. وعمرو بْنِ هَارُونَ الْبَلْخِيّ. وَعِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ الْمَدَنِيِّ. وَآخَرُونَ أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهِمْ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُعَارَضَ بِرِوَايَةِ هَؤُلَاءِ، مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَثْبَاتِ: وَمِنْهُمْ قَتَادَةُ الَّذِي كَانَ أَحْفَظَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَيَرْوِيهِ عَنْهُ شُعْبَةُ الْمُلَقَّبُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ، وَتَلَقَّاهُ الْأَئِمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَحَدٌ بِحُجَّةٍ إلَّا مَنْ رَكِبَ هَوَاهُ، وَحَمَلَهُ فَرْطُ التَّعَصُّبِ عَلَى أَنْ عَلَّلَهُ، وَرَدَّ بِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ، مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُخْتَلِفَةً، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، كَمَا بَيَّنَّا، وَعَارَضَهُ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَوْضُوعِ، أَوْ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الضَّعِيفِ، وَمَتَى وَصَلَ الْأَمْرُ إلَى مِثْلِ هَذَا، فَجُعِلَ الصَّحِيحُ ضَعِيفًا، وَالضَّعِيفُ صَحِيحًا، وَالْمُعَلَّلُ سَالِمًا مِنْ التَّعْلِيلِ، وَالسَّالِمُ مِنْ التَّعْلِيلِ مُعَلَّلًا سَقَطَ الْكَلَامُ، وَهَذَا لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَاَللَّهُ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وَمَا تَحَلَّى طَالِبُ الْعِلْمِ بِأَحْسَنَ مِنْ الْإِنْصَافِ وَتَرْكِ التَّعَصُّبِ، وَيَكْفِينَا فِي تَضْعِيفِ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ إعْرَاضُ أَصْحَابِ الْجَوَامِعِ الصَّحِيحَةِ، وَالسُّنَنِ الْمَعْرُوفَةِ، وَالْمَسَانِيدِ الْمَشْهُورَةِ الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهَا فِي حُجَجِ الْعِلْمِ، وَمَسَائِلِ الدِّينِ، فَالْبُخَارِيُّ رحمه الله مَعَ شِدَّةِ تَعَصُّبِهِ وفرط تحمله عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يُودِعْ صَحِيحَهُ مِنْهَا حَدِيثًا وَاحِدًا، وَلَا كَذَلِكَ مُسْلِمٌ رحمه الله، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا حَدِيثَ أَنَسٍ الدَّالِّ عَلَى الْإِخْفَاءِ، وَلَا يُقَالُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ: إنَّهُمَا لَمْ يَلْتَزِمَا أَنْ يُودِعَا فِي صَحِيحَيْهِمَا كُلَّ حَدِيثٍ صَحِيحٍ، يَعْنِي فَيَكُونَانِ قَدْ تَرَكَا أَحَادِيثَ الْجَهْرِ فِي جُمْلَةِ مَا تَرَكَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا سَخِيفٌ أَوْ مُكَابِرٌ، فَإِنَّ مَسْأَلَةَ

الصفحة 355