كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 1)

وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَهَذَا أَيْضًا لَا يَثْبُتُ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ لَمْ يَلْحَقْ عَلِيًّا، وَلَا صَلَّى خَلْفَهُ قَطُّ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى ابْنِهِ يَعْقُوبَ، فَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ. وَابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، وَمَشَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَأَمَّا شَيْخُ الْخَطِيبِ فِيهِ، فَهُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ الْأَهْوَازِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ أَبِي عَلِيٍّ، فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يُرَكِّبُ الْأَسَانِيدَ، وَنَقَلَ الْخَطِيبُ1 عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَصَّاصِ، قَالَ: كُنَّا نُسَمِّي ابْنَ أَبِي عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيِّ جِرَابَ الْكَذِبِ.
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ صَالِحِ بْنِ نَبْهَانَ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَابْنِ عباس. وأبي قتادة. وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَانُوا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَهَذَا أَيْضًا لَا يَثْبُتُ، وَالْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ هُوَ الْعَرَبِيُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهُوَ شِيعِيٌّ ضَعِيفٌ، أَوْ هُوَ حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ، وَانْقَلَبَ اسْمُهُ، وَهُوَ أَيْضًا شِيعِيٌّ ضَعِيفٌ، أَوْ هُوَ مَجْهُولٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى فَقَدْ رُمِيَ بِالرَّفْضِ وَالْكَذِبِ، وَصَالِحُ بْنُ نبهان مولى التوءَمة، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مَالِكٌ. وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَفِي إدْرَاكِهِ لِلصَّلَاةِ خَلْفَ أَبِي قَتَادَةَ نَظَرٌ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَإِنَّمَا كَثُرَ الْكَذِبُ فِي أَحَادِيثِ الْجَهْرِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَصْحَابِهِ، لِأَنَّ الشِّيعَةَ تَرَى الْجَهْرَ، وَهُمْ أَكْذَبُ الطَّوَائِفِ، فَوَضَعُوا فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ، وَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَحَدُ أَعْيَانِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَرَى تَرْكَ الْجَهْرِ بِهَا، وَيَقُولُ: الْجَهْرُ بِهَا صَارَ مِنْ شِعَارِ الرَّوَافِضِ، وَغَالِبُ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ نَجِدُ فِي رِوَايَتِهَا مَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى التَّشَيُّعِ.
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَكَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَقَالَ: مَا يَمْنَعُ أُمَرَاءَكُمْ أَنْ يَجْهَرُوا بِهَا إلَّا الْكِبْرُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِعْلَامِ بِأَنَّ قِرَاءَتَهَا سُنَّةٌ، فَإِنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ كَانُوا يُسِرُّونَ بِهَا، فَظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ قِرَاءَتَهَا بِدْعَةٌ، فَجَهَرَ بِهَا مَنْ جَهَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ لِيُعْلِمُوا النَّاسَ أَنَّ قِرَاءَتَهَا سُنَّةٌ، لَا أَنَّهُ فِعْلُهُ دَائِمًا، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ تَرْكَ الْجَهْرِ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا أَقْوَالُ التَّابِعِينَ فِي ذلك فلست بِحُجَّةٍ،
__________
1 في تاريخه ص 219 – ج2.

الصفحة 357