كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 1)

ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مَرَّةً مَوْقُوفًا عَلَيْهِمَا، وَمَرَّةً مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُونَ ذِكْرِ الْمَيِّتِ، قَالَ: وَابْنُ أَبِي لَيْلَى1 هَذَا غَيْرُ قَوِيٍّ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ2 أَنَّهُ حَمَلَ مَا رُوِيَ مِنْ الرَّفْعِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَلَفْظُهُ فِي الْكِتَابِ: والذي يروى عن الرَّفْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، كَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه.
قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، فَقَالَ: وَزَعَمَتْ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ أَحَادِيثَ الرَّفْعِ مَنْسُوخَةٌ بِحَدِيثَيْنِ: رَوَوْا أَحَدَهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ كُلَّمَا رَكَعَ، وَكُلَّمَا رَفَعَ، ثُمَّ صَارَ إلَى افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَالثَّانِي: رَوَوْهُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَرْفَعُ يَدَيْهِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: مَهْ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، قَالَ: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ لا يرفعان أَصْلًا، وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ خِلَافُ ذَلِكَ، فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 عَنْ مَيْمُونٍ الْمَكِّيِّ أنه رأى الزُّبَيْرِ - وَصَلَّى بِهِمْ - يُشِيرُ بِكَفَّيْهِ حِينَ يَقُومُ. وَحِينَ يَرْكَعُ. وَحِينَ يَسْجُدُ، قَالَ: فَذَهَبْتُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: إنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَنْظُرَ إلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْتَدِ بِصَلَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَى النَّسْخِ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الْمَنْسُوخِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ - لِلشَّافِعِيِّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ4 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، انْتَهَى. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: إنَّمَا هُوَ تَوَهُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّهْوِ، كَبَعْضِ مَا يَسْهُو الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ابْنُ عُمَرَ يَدَعُ مَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ طَاوُسٍ. وَسَالِمٍ. وَنَافِعٍ. وَمُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ. وَأَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَلَوْ صَحَّتْ رِوَايَةُ مُجَاهِدٍ لَكَانَتْ رِوَايَةُ هَؤُلَاءِ أَوْلَى، ثُمَّ أَخْرَجَ رِوَايَاتِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
__________
1 ابن أبي ليلى هذا، هو: محمد بن أبي ليلى ثقة، في حفظه شيء، قاله الدارقطني في سننه ص 46.
2 ابن الزبير، إذا أطلق يراد به عبد الله، وحديثه لم يوجد، فلعل المصنف أراد به عباد بن الزبير الآتي حديثه فيما بعد، والله أعلم.
3 في باب افتتاح الصلاة ص 115.
4 البخاري في باب رفع اليدين إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع ص 102، ومسلم في باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين، مع تكبيرة الإحرام، ص 168.

الصفحة 392