كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 1)

فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا النَّاسُ رَافِعِي أَيْدِيهِمْ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أيديكم، كأنه أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ"، وَاَلَّذِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَالَ التَّسْلِيمِ لَا يُقَالُ لَهُ: اُسْكُنْ فِي الصَّلَاةِ، إنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لمن يرفع يديه أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ حَالَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَالرَّاوِي رَوَى هَذَا فِي وَقْتٍ، كَمَا شَاهَدَهُ، وَرَوَى الْآخَرَ فِي وَقْتٍ آخَرَ، كَمَا شَاهَدَهُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بُعْدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَصَلَّى، فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: فَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَعَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ أَيْضًا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَعَلْقَمَةُ، فَلَا يُسْأَلُ عَنْهُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ، انْتَهَى. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِأُمُورٍ: - مِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ2، قَالَ: لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ،
__________
= الخامس: أن الحديث الأول ورد على الرفع، ونهى عنه بلفظ عام، أي اسكنوا في الصلاة بخلاف الثاني، فإنه ورد في الإشارة والإيماء، ونهى عنه بلفظ يختص بحالة السلام.
1 أبو داود في باب من لم يذكر الرفع عند الركوع ص 116، والترمذي في باب رفع اليدين عند الركوع ص 35، والنسائي في باب ترك رفع اليدين للركوع ص 158، وفي باب الرخصة في ذلك ص 161، وأحمد: ص 442 - ج 1.
2 اعلم أن قول ابن المبارك هذا أوقع كثيراً من أهل الحديث في مغلطة، وظنوا أن حديث ابن مسعود الذي رواه الترمذي وحسنه هو الذي قال فيه ابن المبارك: لم يثبت، وهذا ليس بصحيح، لأن الحديث الذي قال فيه ابن المبارك، هو الذي ذكره الترمذي تعليقاً: إنه عليه السلام لم يرفع يديه إلا في أول مرة، ولفظه عند الطحاوي: أنه عليه السلام كان يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود، هذا الحديث هو الذي يحكي فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولاً يدل على السلب الكلي المناقض للايجاب الجزئي، الذي يثبته حديث ابن عمر، وهذا الحديث رواه الطحاوي في شرح الآثار ص 132، والدارقطني: ص 111، وغيرهما، ولفظه عند الدارقطني عن عبد الله، قال: صليت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومع أبي بكر ومع عمر، فلم يرفعوا أيديهم إلا عند التكبيرة الأولى في افتتاح الصلاة، وهذا إن ثبت يناقض حديث ابن عمر، فلهذه النكتة أورده الترمذي عقيب حديث ابن عمر، وضعفه، ولم يورده بعد حديث ابن مسعود الذي رواه من فعله، وأما الحديث الذي حكى به ابن مسعود فعله عليه السلام، بفعله، فهو الذي رواه الترمذي وحسنه، وابن حزم في المحلى ص 88 - ج 4 وصححه. وأحمد. وغيرهم، وهذا لا يعارض حديث ابن عمر، وهو ثابت عند الترمذي، وبين الحديثين بون بائن، وقع في الاشتباه من لم يعط النظر حقه، فجر قول ابن المبارك إلى الحديث الفعلي، وهذا أبعد عن سواء الطريق، وهذا واضح لا سيما في النسخة - التي أفرد فيها بعد قول ابن المبارك باب من لم يرفع يديه إلا في أول مرة كما في نسخة عبد الله بن سالم البصري شيخ الشيخ الشاه ولي الله الدهلوي، الموجودة في =

الصفحة 394