كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 1)

وَهَذَا أَصَحُّ، لِأَنَّ الْكِتَابَ أَثْبَتُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، انْتَهَى. فَجَعَلَ الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ سُفْيَانَ، لِأَنَّ ابْنَ إدْرِيسَ خَالَفَهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ1: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَكَبَّرَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، فَقَالَ أَبِي: هَذَا خَطَأٌ، يُقَالُ: وَهَمَ فِيهِ الثَّوْرِيُّ، فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَقَالُوا كُلُّهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ رَكَعَ، فَطَبَّقَ، وَجَعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ أحمد مَا رَوَى الثَّوْرِيُّ، انْتَهَى. فَالْبُخَارِيُّ. وَأَبُو حَاتِمٍ جَعَلَا الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ سُفْيَانَ. وَابْنُ الْقَطَّانِ، وَغَيْرُهُ يَجْعَلُونَ الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ وَكِيعٍ، وَهَذَا اخْتِلَافٌ يُؤَدِّي إلَى طَرْحِ الْقَوْلَيْنِ، وَالرُّجُوعِ إلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِوُرُودِهِ عَنْ الثِّقَاتِ، وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ تَضْعِيفُ عَاصِمٍ2، فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، وَأَنَّ ابْنَ مَعِينٍ، قَالَ فِيهِ: ثِقَةٌ، كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَوْلُ الْحَاكِمِ: إنَّ حَدِيثَهُ لَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيحِ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ، فَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ حَدِيثَهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْهَدْيِ، وَحَدِيثُهُ عَنْهُ عَنْ عَلِيٍّ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ أَجْعَلَ خَاتَمِي فِي هَذِهِ. وَاَلَّتِي يَلِيهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الصَّحِيحِ التَّخْرِيجُ عَنْ كُلِّ عَدْلٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ هُوَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ جَمَاعَةٍ لَمْ يُخَرَّجْ لَهُمْ فِي الصَّحِيحِ، وَقَالَ: هُوَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: لَمْ يُخَرَّجْ حَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحِ، أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ، وَإِلَّا لَفَسَدَ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ كُلُّهُ مِنْ كِتَابِهِ الْمُسْتَدْرِكِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ لِلْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا. وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَلَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إلَّا عِنْدَ اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، وَكَانَ ضَعِيفًا عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَغَيْرُ حَمَّادٍ يَرْوِيهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ مُرْسَلًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ فِعْلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سلمة عن أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُرْسَلًا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ بِسَنَدِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ4، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَرَ
__________
1 ص 96.
2 قال ابن معين. والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح، وقال أبو داود: وكان من العباد، وذكر فضله، قال: وكان أفضل أهل الكوفة، وذكره ابن حبان في الثقات، قال أحمد بن صالح المصري: يعد في وجوه الكوفيين الثقات، وفي موضع آخر: هو ثقة مأمون، وقال ابن المديني: لا يحتج به إذا انفرد، وقال ابن سعد: كان ثقة يحتج به، وليس بكثير الحديث، قال أحمد: لا بأس بحديثه، كذا في التهذيب.
3 ص 112، والبيهقي: ص 79 - ج 2.
4 في نسخة هو المحفوظ - حاشية الطبع القديم.

الصفحة 396