كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 1)

ثُمَّ لِيَخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ، فَيَدْعُو بِهِ1، وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ لِلْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَخُصُوصًا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ2، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرَ بَعْدُ مِنْ الْكَلَامِ مَا شَاءَ، ذَكَرَهُ فِي الدعوات، وفي الاستيذان، ثُمَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثُمَّ اخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ، إلَى آخِرِهِ"، إنْ كَانَ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَيَكُونُ أَرَادَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِنْ كَانَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا مَقْطُوعًا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَيَكُونُ أَرَادَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَوْلَهُ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، إلَى آخِرِهِ، وَأَرَادَ بِالْآخَرِ حَدِيثَ التَّشَهُّدِ، وَهَذَا يَتَرَجَّحُ بِأَنَّهُمَا حَدِيثَانِ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ، بَلْ الْحَدِيثَانِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَةِ الدُّعَاءِ بِكَلَامِ النَّاسِ، نَحْوَ: اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي امْرَأَةً حَسْنَاءَ. وَأَعْطِنِي بُسْتَانًا أَنِيقًا، وَلَكِنْ الْمَانِعُونَ يَحْمِلُونَ ذَلِكَ عَلَى الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْكِتَابِ بِحَدِيثِ: إنَّ صَلَاتَنَا لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، لَكَانَ أَصْوَبَ، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ النُّسَخِ3، قِيلَ: قَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصِحُّ الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ مَا يَصِحُّ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَبِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا اسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ لِمَذْهَبِهِ، وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ4 فِي الصَّلَاةِ عَنْهُ، قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ، وَهُوَ مَعْصُوبُ الرَّأْسِ، فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي قَدْ نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ، فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ، فَاجْتَهِدُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ"، انْتَهَى. وَبِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَمَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا، فَسَأَلَ، وَلَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا، فَتَعَوَّذَ، انْتَهَى. وَعَزَاهُ لِمُسْلِمٍ5، وَيُنْظَرُ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ6 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ
__________
1 عند أحمد في مسنده ص 431 - ج 1، وص 437 - ج 1، وص 424 - ج 1، وص 413 - ج 1.
2 في الاستئذان ص 920، وفي الدعوات ص 936، ولفظه: ثم يتخير من الثناء ما شاء، وأخرج الطحاوي: ص 139، ولفظه: ثم ليختر أحدكم بعد ذلك أطيب الكلام، أو ما أحب من الكلام، وأحمد في مسنده ص 413 - ج 1.
3 أي حديث: إن صلاتنا هذه، الحديث عيني - على الهداية.
4 في باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع ص 191 - ج 1، وأبو داود في باب الدعاء في الركوع والسجود ص 134.
5 قلت: أما اللفظ بعينه، فلم أجد، وأما معناه فهو في حديث مسلم في الصلاة - في باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، ص 264 - ج 1، في حديث طويل.
6 في باب ما يقال في الركوع والسجود ص 191، وأبو داود في باب الدعاء في الركوع والسجود ص 134، والنسائي في باب أقرب ما يكون العبد من الله ص 170، والطحاوي: في: ص 138، والبيهقي: ص 110 - ج 2، ولم أر في شيء منها: فقمن أن يستجاب لكم، إلا ما في حديث ابن عباس، والله أعلم.

الصفحة 429