كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 1)

وقال تقي الدين أبو بكر التميمي في الطبقات السنية:1 اشتغل وسمع من أصحاب النجيب، وأخذ عن الفخر الزيلعي - شارح الكنز - وعن القاضي علاء الدين التركماني، وغيرهما، ولازم مطالعة كتب الحديث، إلى أن خرَّج أحاديث الهداية، وأحاديث الكشاف، فاستوعب ذلك استيعاباً بالغاً.
قال في الدرر يعني به الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: ذكر لي - شيخنا العراقي - أنه كان يرافقه في مطالعة الكتب الحديثية، لتخريج الكتب التي كانا قد اعتنيا بتخريجها، فالعراقي لتخريج أحاديث الإحياء، والأحاديث التي يشير إليها الترمذي في الأبواب، والزيلعي لتخريج أحاديث الهداية، والكشاف، فكان كل منهما يعين الآخر، ومن كتاب الزيلعي في تخريج أحاديث الهداية استمد الزركشي في كثير مما كتبه من تخريج أحاديث الرافعي.
وقال ابن العديم، ومن خطه نقلت: شاهدت بخط شيخ الإسلام حافظ الوقت، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني ما صورته - بعد أن ذكر غالب ما نقلناه هنا من الدرر منه -: جمع تخريج أحاديث الهداية، فاستوعب فيه ما ذكره صاحب الهداية من الأحاديث، والآثار في الأصل، وما أشار إليه إشارة، ثم اعتمد في كل باب أن يذكر أدلة المخالفين، ثم هو في ذلك كثير الإنصاف، يحكي ما وجده من غير اعتراض، ولا تعقب غالباً، فكثر إقبال الطوائف عليه، واستوعب أيضاً في تخريج أحاديث الكشاف2 ما فيه من الأحاديث المرفوعة خاصة، فأكثر من تبين طرقها، وتسمية مخرجيها على نمط ما في أحاديث الهداية، لكنه فاته كثير من الأحاديث المرفوعة التي يذكرها الزمخشري بطريق الإشارة، ولم يتعرض غالباً لشيء من الآثار الموقوفة، ورأيت بخطه كثيراً من الفوائد، مفرقاً رحمه الله، وعفا عنه بمنه وكرمه. اهـ انتهى ما حكاه التميمي في طبقاته.
__________
1 نسخته المحفوظة في التيمورية، من دار الكتب المصرية، تحت رقم "540" من التاريخ، في - أربع مجلدات.
2 وقد أخطأ النواب، صديق حسن خان في كتابه الأكسير- في أصول التفسير وحيث جعل تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر، وتلخيصه للحافظ الزيلعي، وذكر هذه الأوصاف التي ذكرها ابن حجر لتخريج الزيلعي لتخريج ابن حجر فعكس الأمر ونبه عليه الفاضل الشيخ اللكنوي في تعليقان الفوائد البهية والعجب أنه كيف خفى عليه هذا! مع أن ابن حجر ولد بعد وفاة الزيلعي بأحد عشر عاما فكيف يمكن أن يلخص الزيلعي كتاب ابن حجر؟ ولم يكن هو عند ذاك في عالم الوجود، وكثير له في تراجمه أمثال هذه الأوهام
بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ، وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ. وَغَيْرُهُ رَفْعَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالُوا: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَأَمَّا كَوْنُهُ مُعَارَضًا، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاضْطَجَعْت فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طُولِهَا، فَنَامَ عليه السلام حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ - أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ - اسْتَيْقَظَ فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْخَوَاتِيمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ منه، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ فصلى، الحديث هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَعَ الْحَدَثِ، وَلَكِنْ وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ1 أبي حنيفة ابخاريأ أَنَّهُ عليه السلام تَيَمَّمَ لِرَدِّ السَّلَامِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ أَبِي الْجُهَيْمِ، قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، انْتَهَى. وَلَمْ يَصِلْ مُسْلِمٌ2 بِسَنَدِهِ بِهِ، وَلَكِنَّهُ رَوَى مِنْ حَدِيثِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ3: التَّيَمُّمَ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ4 مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، رَجُلٌ مِنْ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَقَالَ: فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقَالَ: "إنَّمَا رَدَدْت عَلَيْك خَشْيَةَ أَنْ تَقُولَ: سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَإِذَا رَأَيْتَنِي هَكَذَا، فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ، فَإِنِّي لَا أَرُدُّ عَلَيْك"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ هَذَا فِيمَا أَعْلَمُ5 هُوَ ابْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ، لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ أَصَحُّ، فَإِنَّ الضَّحَّاكَ أَوْثَقُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ هَذَا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَوْطِنَيْنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّهُ هُوَ، وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي الْحَدِيثِ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ؟، انْتَهَى.
قُلْت: قَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا فِي مُسْنَدِ السَّرَّاجِ6 فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله أن رجلاً مرعلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عليه فقال عليه السلام: "إذَا رَأَيْتَنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ، فَإِنَّك إنْ فَعَلْت ذَلِكَ، لَمْ أَرُدَّ عَلَيْك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَقَالَ فِيهِ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَيُنْظَرُ فِي التَّوْفِيقِ
__________
1 أي البخاري في باب التيمم في الحضر ص 48.
2 بل علقه عن الليث في باب التيمم ص 161 - ج 1.
3 وأخرج الطحاوي في باب ذكر الجنب والحائض ص 51 من طريق سفيان بسند مسلم، وزاد فيه: حتى أتى حائطاً فتيمم.
4 وابن جارود في المنقى ص 27.
5 قلت: في المنتقى ص 27 حدثنا محمد بن يحيى ثنا عبد الله بن رجاء ثنا سعيد يعني ابن أبي سلمة ثني أبو بكر، وهو ابن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن نافع عن عبد الله، فذكر الحديث.
6 هو أبو العباس السراج.

الصفحة 6