كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)
قَانِتًا فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ1": اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قُنُوتِ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ. وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، إلَى يَوْمِنَا، فَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ. وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، مِثْلِ: عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ. وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَسُهَيْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ. وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَعَائِشَةَ، وَمِنْ الْمُخَضْرَمِينَ: أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ. وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ. وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ. وَأَبُو رافع الصانع، وَمِنْ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. وَالْحَسَنُ. وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ. وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ. وَقَتَادَةُ. وَطَاوُسٌ. وَعُبَيْدُ بْنُ عمير. والربيع بن خيثم. وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ. وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ. وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ. وَزِيَادُ بْنُ عُثْمَانَ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى. وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَحُمَيْدَ الطَّوِيلُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، ثُمَّ قَالَ: وَخَالَفَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ، فَمَنَعُوهُ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، مُحْتَجِّينَ بِأَحَادِيثَ:
مِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمْ يَقْنُتْ رَسُولُ اللَّهِ
__________
(26) ص 67، قلت: لقد نبهناك فيما تقدم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقنت للنازلة إلا مرة، حين قتل أصحابه ببئر معونة، قنت على من قتلهم شهراً، أو دونه، أو أكثر منه، وفي ذلك القنوت دعى لوليد بن الوليد. وعياش بن أبي ربيعة. وسلمة بن هشام، وقد أنزل الله فيه {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ} الآية، كما في مسلم: ص 237، والطحاوي: ص 142، ثم لم يقنت، فتطرق الاجتهاد، بأن تركه عليه السلام كان نسخاً، لمنع الله تعالى بقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} أو لم يقنت لعدم وقوع نازلة تستدعي القنوت بعدها، فتكون شرعيته مستمرة، والظاهر من كلام الطحاوي الأول، حيث قال في "شرح الآثار" ص 149: فثبت بما ذكرنا أنه لا ينبغي القنوت في الفجر، في حال الحرب ولا غيره قياساً، ونظراً على ما ذكرنا من ذلك، وهذا قول أبي حنيفة. وأبي يوسف. ومحمد رحمهم الله تعالى، اهـ. وقال الحلبي في "شرحه الكبير للمنية" ص 420: فتكون شرعيته مستمرة، وهو محل قنوت من قنت من الصحابة بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو مذهبنا، وعليه الجمهور، وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي: إنما لا يقنت عندنا في صلاة الفجر من غير بلية، فإذا وقعت فتنة أو بلية، فلا بأس به، فعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اهـ. وقال ابن قيم في "الهدى" ص 69: ولم يكن من هديه القنوت فيها دائماً، ومن المحال أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في كل غداة بعد اعتداله من الركوع، يقول: "اللهم اهدني فيمن هديت" يرفع بذلك صوته، ويؤمِّن عليه أصحابه دائماً إلى أن فارق الدنيا، ثم لا يكون ذلك معلوماً عند الأمة، بل يضيعه أكثر أمته. وجمهور أصحابه، بل كلهم، حتى يقول من يقول منهم: إنه محدَث، إلى أن قال: ومن المعلوم بالضرورة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو كان يقنت كل غداة يدعو بهذا الدعاء، ويؤمِّن الصحابة، كان نقل الأمة لذلك كلهم، كنقلهم لجهره بالقراءة. وعددها. ووقتها، وإن جاز عليهم تضييع أمر القنوت منها، جاز عليهم تضييع ذلك، ولا فرق، اهـ. وقال الحافظ في "الدراية" ص 117: ويؤخذ من الأخبار أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يقنت إلا في النوازل، وقد جاء ذلك صريحاً، فعند ابن حبان عن أبي هريرة كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يقنت إلا في النوازل، وقد جاء ذلك صريحاً، فعند ابن حبان عن أبي هريرة كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يقنت في صلاة الصبح، إلا أن يدعو لقوم أو على قوم، وعند ابن خزيمة عن أنس مثله، وإسناد كل منهما صحيح، وحديث أبي هريرة في "الصحيحن" بلفظ: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يدعو على أحد، أو لأحد قنت بعد الركوع، حتى أنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128] ، وأخرج ابن أبي شيبة حديث عليّ، أنه لما قنت في الصبح، أنكر الناس عليه ذلك، فقال: إنما استنصرنا على عدونا، اهـ.
الصفحة 133
508