كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

كَمَثَلِ مَنْ أَنْفَقَ نَبَهْرَجًا وَدَلَّسَهُ؟، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ الصَّحِيحَ مِنْ السَّقِيمِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِلنُّقَّادِ، فَإِذَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ مُحْدِثٌ، وَاحْتَجَّ بِهِ حَافِظٌ لَمْ يَقَعْ فِي النُّفُوسِ إلَّا أَنَّهُ صَحِيحٌ، ولكن عَصَبِيَّةٌ، وَمَنْ نَظَرَ فِي "كِتَابِهِ" الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْقُنُوتِ، وَ"كِتَابِهِ" الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْجَهْرِ، وَمَسْأَلَةِ الْغَيْمِ، وَاحْتِجَاجِهِ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي يَعْلَمُ بُطْلَانَهَا، اطَّلَعَ عَلَى فَرْطِ عَصَبِيَّتِهِ، وَقِلَّةِ دِينِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ أَحَادِيثَ أُخْرَى، كُلَّهَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ حَتَّى مَاتَ، وَطَعَنَ فِي أَسَانِيدِهَا.
حَدِيثٌ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوِتْرِ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، قَالَتْ كُنَّا نَعُدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ. وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ، وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد ما يُسَلِّمُ، وَهُوَ قَاعِدٌ، وَفِي لَفْظٍ: كَانَ يُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ يُوتِرُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، قَامَ فَرَكَعَ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَرُوِيَتْ صَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ2. وَأَنَسٍ. وَأُمِّ سَلَمَةَ. وَثَوْبَانَ، وَمُعْظَمُهَا ضَعِيفٌ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام فَعَلَهُ مَرَّةً، أَوْ مَرَّاتٍ، لِبَيَانِ الْجَوَازِ، فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ عَنْ عَائِشَةَ. وَخَلَائِقَ مِنْ الصَّحَابَةِ، أَنَّ آخِرَ صَلَاتِهِ فِي اللَّيْلِ، كَانَ وِتْرًا، مَعَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ اللَّيْلَ وِتْرًا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
__________
1 في "صلاة الليل" ص 256، واللفظ الآخر في: ص 254، وأبو داود: ص 196.
2 أخرج الطحاوي: ص 202 من حديث عائشة. وأنس. وثوبان. وأبي أمامة، والدارقطني: ص 179 من حديث أنس، وأحمد: ص 260 من حديث أبي أمامة، والدارمي: ص 198، والدارقطني: ص 177 من حديث ثوبان، ومن حديث أم سلمة.
3 أخرجه البخاري في "الوتر" في: ص 136، ومسلم في "باب صلاة الليل" ص 257.
بَابُ النَّوَافِلِ
الْحَدِيثُ السَّابِعُ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ" وَفَسَّرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: إنَّهَا مُفَسَّرَةٌ فِي الْحَدِيثِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَ، وَهِيَ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَانِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا. وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعَصْرِ فِي الْحَدِيثِ، فَلِهَذَا سَمَّاهُ فِي الْأَصْلِ حَسَنًا، وَخُيِّرَ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْأَرْبَعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَلِهَذَا كَانَ مُسْتَحَبًّا،

الصفحة 137