كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)
فِي الوتر عند الطَّحَاوِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ أَثَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ فِي النَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْراءِ، ضَعِيفٌ، وَمُرْسَلٌ، وَلَمْ أَجِدْهُ1.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، أَنَّهُ كَمْ صَلَّى، فَلْيَسْتَقْبِلْ الصَّلَاةَ"،
قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ فِي الَّذِي لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، أَثَلَاثًا. أَوْ أَرْبَعًا، قَالَ: يُعِيدُ حَتَّى يَحْفَظَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: أَمَّا أَنَا إذَا لَمْ أَدْرِ كم، فَإِنِّي أُعِيدُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ. وَشُرَيْحٍ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَقَالَ عليه السلام: "مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ" الصَّوَابَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2. وَمُسْلِمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: "وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ"، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ مُطْلَقًا، فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا، وَيَأْخُذُ بِحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ3. وَبِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الْآتِيَيْنِ، وَعِنْدَنَا: إنْ كَانَ لَهُ ظَنٌّ بَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، وَإِلَّا فَبَنَى عَلَى الْيَقِينِ، وَحُجَّتُنَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا، رَوَاهُ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ4. وَالْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، دُونَ لَفْظِ: التَّحَرِّي، وَرَوَاهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، دُونَ لَفْظِ: التَّحَرِّي، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أو من دونه، فأدرج فِي الْحَدِيثِ، قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إنَّ مَنْصُورَ5 بْنَ الْمُعْتَمِرِ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَثِقَاتِهِمْ، وَقَدْ رَوَى الْقِصَّةَ بِتَمَامِهَا، وَفِيهَا لَفْظُ: التَّحَرِّي، مُضَافًا إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَوَاهَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ، كَمِسْعَرٍ. وَالثَّوْرِيِّ. وَشُعْبَةَ. وَوُهَيْبِ بْنِ خَالِدٍ. وَفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ. وَجَرِيرٍ. وَغَيْرِهِمْ6، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا خِلَافُ الْجَمَاعَةِ، قُلْنَا: عَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّحَرِّيَ يَكُونُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ. الثَّانِي: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، مَعْنَاهُ، فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَقَصَهُ، فَيُتِمَّهُ، فَيَكُونُ التَّحَرِّي أَنْ يُعِيدَ مَا شَكَّ فِيهِ، وَيَبْنِيَ عَلَى حَالٍ يَسْتَيْقِنُ فِيهَا، قَالَ: وهو عندي كلام عربي
__________
1 أي لم يعزه النووي إلى أحد من أرباب الأصول، ولم يجد الشيخ في كتاب حديث محمد بن كعب، والله أعلم.
2 في "باب التوجه إلى نحو القبلة" ص 58: ومسلم في "السهو" ص 211.
3 أخرجه مسلم في "باب السهو في الصلاة" ص 211، وقد تقدم، وكذا حديث عبد الرحمن تقدم تخريجه عن قريب.
4 حديث الحكم بن عتيبة، عند البخاري: ص 58، وحديث الأعمش، عند مسلم: ص 213، وحديث إبراهيم بن سويد، عند مسلم: ص 212.
5 قلت: تابع منصوراً أبو حصين على لفظ التحري، عند الطبراني.
6 كل هؤلاء، عند مسلم: ص 212.
الصفحة 173
508