كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)
فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، لِأَنَّ الْقَلْبَ غَيْرُ التَّحْوِيلِ، وَلَكِنَّ الثَّوْبَ إذَا كَانَ لَهُ طَرَفَانِ، كَالْكِسَاءِ. وَنَحْوِهِ، يُمْكِنُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَلْبِ، وَالتَّحْوِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله: وَلَا يَقْلِبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ1 أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، مُشْكِلٌ، لِأَنَّ عَدَمَ النَّقْلِ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَأَيْضًا فَالْقَوْمُ قَدْ حَوَّلُوا بِحَضْرَتِهِ عليه الصلاة والسلام، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، وَتَقْرِيرُ الشَّارِعِ حُكْمٌ، كَمَا وَرَدَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ"2 فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ عليه السلام حَوَّلَ رِدَاءَهُ، فَقَلَبَهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَتَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ.
فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ تَحْوِيلَ الرِّدَاءِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَفَاؤُلًا، لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ هَيْئَةٍ إلَى هَيْئَةٍ، وَتَحَوُّلٌ مِنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ، لِيَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةً لِانْتِقَالِهِمْ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ، وَتَحَوُّلِهِمْ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ، قُلْت: قَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي "مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ"3 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَصَحَّحَهُ، وَفِيهِ: وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" وَفِي الطُّوَالَاتِ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَلَكِنْ قَلَبَ رِدَاءَهُ، لِكَيْ يَنْقَلِبَ القحط إلى الخصب، وَفِي "مُسْنَدِ" إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ4: لِتَتَحَوَّلَ السَّنَةُ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ، ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِ وَكِيعٍ.
__________
1راجع "فتح القدير" ص 440 ج 1، فإن لصاحبه على الحافظ المخرج مؤاخذة، وليست بصحيحة، والله أعلم.
2 ص 41 ج 4.
3 "المستدرك" ص 326 ج 1، والدارقطني عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا: ص 189.
4 وفي "مسند أحمد" ص 41 ج 1، قال أبو عبد الرحمن: قلب الرداء حتى تحوّل السنة، ويصير الغلاء رخصاً، اهـ.
باب صلاة الخوف
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ "يَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ": طَائِفَةً: خَلْفَهُ. وَطَائِفَةً: عَلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِتِلْكَ الطَّائِفَةِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مَضَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي خَلْفَهُ، إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَتَشَهَّدَ، وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُسَلِّمُوا، وَذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى، فَصَلَّوْا رَكْعَةً وسجدتين، وُحدانان بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَتَشَهَّدُوا، وَسَلَّمُوا، وَمَضَوْا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَصَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، بِقِرَاءَةٍ، وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ خَصِيفٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ
__________
1 أبو داود: في "الخوف في باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة" الخ: ص 184، والطحاوي: ص 184.
الصفحة 243