كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّانًا يَا مُعَاذُ؟! إذَا أَمَمْت بِالنَّاسِ، فَاقْرَأْ "بِالشَّمْسِ وضحها. وَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك} . {وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى} " انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ1: أَنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، الْحَدِيثَ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْحَرَفَ رَجُلٌ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، وَانْصَرَفَ، الْحَدِيثَ، هَكَذَا رِوَايَاتُ الصَّحِيحَيْنِ إنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد 2أَنَّهَا كَانَتْ الْمَغْرِبَ أَخْرَجَهُ عَنْ حَزْمِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ أَتَى مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مُعَاذُ! لَا تَكُنْ فَتَّانًا، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَك الْكَبِيرُ. وَالضَّعِيفُ. وَذُو الْحَاجَةِ. وَالْمُسَافِرُ" انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ" أَنَّ السُّورَةَ كَانَتْ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر:1] ، وَالْمَشْهُورُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا" أَنَّهَا كَانَتْ "الْبَقَرَةُ"، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهُمَا قِصَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي جَاءَ، قِيلَ فِيهِ: حَزْمٌ، وَقِيلَ فِيهِ: حَازِمٌ، وَقِيلَ: حزام، وقيل: سليم 3، فلعل ذَلِكَ كَانَ فِي وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ مُعَاذًا لَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ النَّهْيِ، وَيَبْعُدُ أَنْ يَنْسَاهُ، وَرَدَّ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةَ "الْمَغْرِبِ"، وَقَالَ: إنَّ رِوَايَاتِ "الْعِشَاءِ" أَصَحُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى، وَلَعَلَّهُ قَرَأَ "الْبَقَرَةَ" فِي رَكْعَةٍ، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ، ثُمَّ قَرَأَ {اقْتَرَبَتْ} فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى، فَانْصَرَفَ آخَرُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، فَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ 4 إلَى أَنَّهَا شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، هَلْ حُفِظَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَمْ لَا؟ لِكَثْرَةِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بِدُونِهَا، وَانْفَرَدَ بِهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ، انْتَهَى. وَرَوَى النَّسَائِيّ فِي "التَّفْسِيرِ" حَدِيثَ معاذ، وسمى الرجل: حرام "أَعْنِي الْمُنْصَرِفَ".
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَمَّتْ نِسْوَةً فِي الْمَكْتُوبَةِ. فَقَامَتْ بَيْنَهُنَّ وَسَطًا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 5" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ، وَتَؤُمُّ النِّسَاءَ، فَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ، انتهى. وَسَكَتَ عَنْهُ، انْتَهَى.
__________
1 لم أجد هذا اللفظ، والله أعلم.
2 في "باب تخفيف الصلاة" ص 122، وأحمد: ص 299 ج 3، والنسائي: ص 154 ج 1، والطحاوي: ص 125، والترمذي ص 75، والطيالسي: ص 239، وعند ص 300 ج 3 الفجر)
3 روى أحمد عن حديث معاذ بن رفاعة في: ص 74 ج 5، والطحاوي: ص 238، قال: عن رجل من بني سلمة، يقال له: سليم، أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحديث، وفيه أنه اشتكى معاذاً، وليس فيه: أنه هو الذي انصرف، وفي إسناده انقطاع، قاله ابن حزم في "المحلى" ص 230 ج 4، ورجاله ثقات.
4 قال البيهقي في "السنن" ص 85 ج 3: ولم يقل أحد في هذا الحديث: وسلم، إلا محمد بن عباد، اهـ.
(1) ص 203.

الصفحة 30