كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

بْنُ عَنْتَرَةَ، وَهُوَ وَإِنْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ، فَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ مَتْرُوكٌ، كَانَ يَكْذِبُ، وَهَذَا جَرْحٌ مُفَسَّرٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى التَّعْدِيلِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ ابْنِ الْأَسْوَدِ بِهِ، وَابْنُ إسْحَاقَ مَشْهُورٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَقَدْ عَنْعَنَ، وَالْمُدَلِّسُ إذَا عَنْعَنَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قُلْت: كَأَنَّهُمَا ذَهِلَا، فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ، لَمْ يَرْفَعْهُ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَرَفَعَهُ فِي الثَّالِثَةِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ فِيهِ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ، قَالَ فِي "جَامِعِهِ": وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، فَقَامَ بَيْنَهُمَا، قَالَ: وَرَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1 وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْت أَنَا. وَعَلْقَمَةُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بِالْهَاجِرَةِ، فَلَمَّا زَالَتْ الشَّمْسُ أَقَامَ الصَّلَاةَ، فَقُمْت أَنَا وَصَاحِبِي خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ صَاحِبِي، فَجَعَلَنَا عَنْ يَمِينِهِ. وَيَسَارِهِ، وَقَامَ بَيْنَنَا2، وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ، إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً، انْتَهَى. وَضَعُفَ بِابْنِ إسْحَاقَ، وَقَدْ عَنْعَنَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ الْآتِي ذِكْرُهُ عَقِيبَ هَذَا الْحَدِيثِ. الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ 3" بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَرَى ابْنَ مَسْعُودٍ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، أَوْ لِعُذْرٍ آخَرَ، لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، انْتَهَى. وَالثَّالِثُ: ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، قَالَ: وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ سِيرِينَ: إنَّهُ كَانَ لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ4 رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي. وَأَبُو ذَرٍّ عَنْ يَمِينِهِ، كُلُّ وَاحِدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ خَلْفَهُمَا، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ، فَظَنَّ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ الْمَوْقِفِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَؤُمُّهُمَا، وَعَلَّمَهُ أَبُو ذَرٍّ، حَتَّى قَالَ، فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ: يُصَلِّي كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا لِنَفْسِهِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ غَيْرِهِ عَلَى رِوَايَتِهِ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَالْقَائِلِينَ بِهِ، وَبِسَلَامَتِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَنْسُوخَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ5": وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاةَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَفِيهَا التَّطْبِيقُ، وَأَحْكَامٌ أُخْرَى هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ، بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ مسلم6 عن عبادة الْوَلِيدِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سِرْت
__________
1 في "السنن" ص 98 ج 3، وأحمد: ص 459 ج 1 والطحاوي: ص 181.
2 وفي "مسند أحمد" بعده: فصففنا خلفه صفاً واحداً، فقال: هكذا كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع إذا كانوا ثلاثة، اهـ.
3 ص 181، والبيهقي في "السنن" ص 99 ج 3.
4 حديث أبي ذر هذا رواه أحمد في "مسنده" ص 170 ج 5.
5 الحازمي في "كتاب الاعتبار" ص 80.
6 في "آخر الصحيح في أحاديث متفرقة في حديث جابر" ص 417 ج 2، وأبو داود في "الصلاة في باب إذا كان ثوباً ضيقاً" ص 100 ج 1.

الصفحة 34