كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَقَامَ يُصَلِّي، قَالَ: فَجِئْت حَتَّى قُمْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَ ابْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ هُوَ الآخر، لأن جابراً إنَّمَا شَهِدَ الْمَشَاهِدَ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ بَدْرٍ، ثُمَّ فِي قِيَامِ ابْنِ صَخْرٍ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ كَانَ مَشْرُوعًا، وَأَنَّ ابْنَ صَخْرٍ كَانَ يَسْتَعْمِلُ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ حَتَّى مُنِعَ مِنْهُ، وَعَرَفَ الْحُكْمَ الثَّانِيَ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقَدَّمَ عَلَى أَنَسٍ، وَالْيَتِيمِ حِينَ صَلَّى بِهِمَا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1، إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلْأُصَلِّ لَكُمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ لَنَا، قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِثَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفَفْت أنا. واليتيم ورواءه، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، انْتَهَى. وَالْيَتِيمُ، هُوَ: ضُمَيْرَةُ بْنُ أَبِي ضُمَيْرَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ، وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَوْلُهُ: جَدَّتُهُ مُلَيْكَةُ، مَالِكٌ يَقُولُهُ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى إسْحَاقَ، وَهِيَ جَدَّةُ إسْحَاقَ2 أُمِّ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ زَوْجُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى أَنَسٍ، وَهُوَ الْقَائِلُ: إنَّ جَدَّتَهُ، وَهِيَ جَدَّةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أُمُّ أُمِّهِ، وَاسْمُهَا مُلَيْكَةُ بِنْتُ مَالِكٍ بْنِ عَدِيٍّ، وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: إنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَهَا، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ، وَأُمُّ سُلَيْمٍ هِيَ أُمُّ أَنَسٍ، جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا فِي "الْبُخَارِيِّ"، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": الضَّمِيرُ فِي جَدَّتِهِ لِإِسْحَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ، وَجَدَّةُ إسْحَاقَ، وَقِيلَ: جَدَّةُ أَنَسٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ، صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ، وَالْيَتِيمُ، هُوَ: ضُمَيْرَةُ3 بْنُ سَعْدٍ الْحِمْيَرِيُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ. فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ، فَقَامَ عَنْ
__________
1 البخاري في "باب الصلاة على الحصير" ص 55، ومسلم في "باب جواز الجماعة في النافلة" ص 234 ج 1، وأبو داود في "باب إذا كانوا ثلاثة، كيف يقومون" ص 97، والنسائي في "باب إذا كانوا ثلاثة وامرأة" ص 129، والترمذي في "باب الرجل يصلي، ومعه رجال ونساء" ص 32.
2 يؤيده ما أخرجه البيهقي: ص 106 ج 3، وفيه: وأم سليم خلفنا.
3 قال النووي في "شرحه على مسلم": اسمه ضمير بن سعد الحميري.

الصفحة 35