كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي، وَهُوَ قَائِمٌ1 بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَعَرَضْت عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَ عَائِشَةَ، فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَمَّتْ لَك الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْت: لَا، قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَانَ عليه السلام بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ يُصَلِّي قَاعِدًا، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ قَائِمًا، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّاسُ قِيَامٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ لَهُمْ: حَدِيثُ "إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ، وَبَاقِي السِّتَّةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، إلَى أَنْ قَالَ: وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا،
__________
1 الأحاديث الصحيحة مصرحة في هذا الباب، بأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان قاعداً في هذه الصلاة، وأبا بكر كان قائماً، وأما المأمومون سواه، فذكر المؤلف رواية "المعرفة" وذكر قيامهم، وذكر الحافظ في "الفتح" ص 147 ج 2 أنه "أي قيام المأمومين" في رواية إبراهيم بن طهمان عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها، وقال فيه أيضاً: إنه وجد في "مصنف عبد الرزاق" عن ابن جريج عن عطاء، فذكر الحديث، وفيه: فصلى الناس وراءه قياماً، قلت: ما ذكره المؤلف من رواية "كتاب المعرفة" فلم يذكر إسناده، ورواية عائشة تعليق، ورواية عطاء مرسلة، وادعى ابن حبان نفي قيام المأمومين، سوى أبي بكر، وتمسك بحديث جابر، رواه مسلم من طريق أبي الزبير: ص 177، والطحاوي: ص 234، والنسائي: ص 128، وص 178، ولفظ مسلم: اشتكى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قياماً، فأشار إلينا، فقعدنا، الحديث، ولفظ الطحاوي: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر خلفه، فإذا كبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبر أبو بكر، ليسمعنا، فبصر بنا قياما، فقال: اجلسوا، أومأ بذلك إليهم، الحديث. والظاهر من السياق أن هذه الصلاة كانت آخر صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناس، صلاة الظهر، وأجاب عنه الحافظ بحمله على طريق أبي سفيان. وسالم بن أبي الجعد، وحديث أنس على صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيته، لكن ظاهر السياق أنه واقعة مرض الموت، لأنه لم يذكر في حديث السقوط أنه عليه السلام بلغ به الضعف إلى أنه خفى صوته، ولم يستطع أن يبلغه من البيت، لأن حجرته كانت تسعاً في تسع، أو أقل منه، ثم أمر أبا بكر أن ينفرد عن الصف، ويقوم خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن قال الحافظ: إسماع التكبير في هذا لم يتابع أبا الزبير عليه أحد، قلت: وذكر الظهر لم أر في طريق الليث وأبو الزبير مدلس، قال عياض: إنه صلى في حجرة عائشة وائتم به من حضر عنده، ومن كان في المسجد، قال الحافظ: هذا محتمل، قلت: فعلى هذا لا إشكال في تكبير أبي بكر أيضاً.
2 ص 178.
3 في "باب إنما جعل الإمام ليؤتم به" ص 96، ومسلم في "باب ائتمام المأموم" ص 176، وأبو داود في "باب الإمام يصلي من قعود" ص 96، والترمذي في "باب إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً" ص 47، والنسائي في "باب الائتمام بإمام يصلي قاعداً" ص 133.

الصفحة 42