كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ، كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ، فَنَظَرَ إلَيْنَا، وَهُوَ قَائِمٌ، كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا، قَالَ: فَبُهِتْنَا، وَنَحْنُ فِي الصَّلَاةِ فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَارِجٌ لِلصَّلَاةِ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ بِيَدِهِ، أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ1": أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ2" بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ
__________
1في "باب من رجع القهقري في صلاته"ص160
2والذي يفهم من كلام ابن حبان، ومن مراجعة الأصول أن لحديث عائشة في مرض موت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإمامته مخارج أربعة، اختلف عليها كلها، ثلاثة منها في "الصحيحين":
أحدها: طريق موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عنها، روى عنه زائدة، وفيه: فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والناس بصلاة أبي بكر، اهـ. لم يختلف على زائدة فيه، أخرج حديثه البخاري في "باب إنما جعل الامام ليؤتم به" ص 95، ومسلم في "باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر" ص 177 اتفقا على روايته عن أحمد بن يونس عن زائدة، وروى عن موسى شعبة، واختلف فيه، روى أحمد في "مسنده" ص 249 ج 6 عن أبي داود الطيالسي حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة، قال: سمعت عبيد الله بن عبد الله يحدث عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أبا بكر أن يصلي
بالناس في مرضه الذي مات فيه، فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يدي أبي بكر يصلي بالناس قاعداً، وأبو بكر يصلى بالناس خلفه، اهـ. وروى النسائي في "باب الإئتمام بمن يأتم بالإمام" ص 128 عن محمود بن غيلان عن أبي داود به، وفيه: قالت: وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يدي أبي بكر، والناس خلف أبي بكر، اهـ. وأخرجه ابن جارود: ص 166 في "باب تخفيف الصلاة بالناس" عن إسحاق بن منصور عن أبي داود به، وفيه: قالت: فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يدي أبي بكر قاعداً، وأبو بكر يصلي خلفه، اهـ. ففي هذا وافق شعبة زائدة في إمامة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولحديث شعبة طريق آخر، رواه ابن حبان، كما قال الزيلعي، ولم يذكر إسناده، ورواه ابن حزم في "المحلى" ص 67 ج 3 من طريق محمد بن بشاء حدثنا بدل بن المحبر حدثنا شعبة عن موسى عن عبيد الله عن عائشة أن أبا بكر صلى بالناس. ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، اهـ. قلت: فكأنه انقلب على بعض الرواة، والله أعلم.
الثاني: طريق الأعمش عن إبراهيم: عن الأسود عن عائشة، رواه البخاري في "الصحيح في باب حديث آخر: المريض أن يشهد الجماعة" ص 91، ومسلم في: ص 178، وفيه: فكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، وأبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، اهـ. روى عنه حفص بن غياث. وأبو معاوية. وعبد الله بن داود، عند البخاري، وكيع. وابن مسمر. وابن يونس. وأبو معاوية، عند مسلم، وروى ابن جارود في "المنتقى" ص 166 حديث موسى بن أبي عائشة من طريق إسحاق بن منصور، قال: أنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة عن موسى ابن أبي عائشة بإسناده مثل حديث زائدة، ثم قال: قال أبو داود: حدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه، كان المقدم، اهـ.
والثالث: طريق عروة عن عائشة اختلف فيه عليه أيضاً، روى الشيخان من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قولها: فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، أخرجه البخاري في "باب من قام إلى جنب الامام لعلة" ص 94، ومسلم في "باب استخلاف الامام إذا عرض له عذر" ص 179، وروى أحمد في "مسنده" ص 159 ج 6 عن شبابة بن سوار حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عروة بن الزبير عن عائشة، الحديث، وفيه: فصلى أبو بكر، وصلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه قاعداً، اهـ.=

الصفحة 46