كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

حَمَلَ أَصْحَابُنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ عَلَى صَوْمِ النَّذْرِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يُطْعَمُ عَنْهُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَلَا يُصَامُ، قَالَ: وَذَلِكَ لِأَنَّ النِّيَابَةَ تَجْرِي فِي الْعِبَادَةِ بِحَسَبِ خِفَّتِهَا، وَالنَّذْرُ أَخَفُّ حُكْمًا، لِكَوْنِهِ لَمْ يَجِبْ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ النَّاذِرُ عَلَى نَفْسِهِ، انْتَهَى. قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "النَّذْرِ وَالْأَيْمَانِ"1 مُصَرَّحًا فِيهِ بِالنَّذْرِ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتْ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إنْ اللَّهُ نَجَّاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَنَجَّاهَا اللَّهُ، فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ، فَجَاءَتْ بِنْتُهَا، أَوْ أُخْتُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْهَا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "أَفْطِرْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ"، قُلْت: اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى إبَاحَةِ الْفِطْرِ فِي التَّطَوُّعِ لِعُذْرِ الضِّيَافَةِ، وَهَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: صَنَعَ رَجُلٌ طَعَامًا، وَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَخُوك تَكَلَّفَ وَصَنَعَ لَك طَعَامًا، وَدَعَاك، أَفْطِرْ، وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ كَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: هَذَا مُرْسَلٌ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ ثَنَا عَلِيُّ بن سعيد الرزاي حدثنا عمرو بن خليف4 بْنِ إسْحَاقَ بْنِ مِرْسَالٍ الْخَثْعَمِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا عَمِّي إسْمَاعِيلُ بْنُ مِرْسَالٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَنَعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعاماً، فدعا النبي عليه السلام وَأَصْحَابَهُ، فَلَمَّا أُتِيَ بِالطَّعَامِ تَنَحَّى رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "مَا لَكَ"؟ قَالَ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عليه السلام: "تَكَلَّفَ أَخُوك وَصَنَعَ طَعَامًا، ثُمَّ تَقُولُ: إنِّي صَائِمٌ؟! كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ"، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ فِي الصَّوْمِ5 وَفِي الْأَدَبِ" عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ لَهُ: كُلْ، فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ،
__________
1 في "باب قضاء النذر عن الميت" ص 113 ج 2.
2 الطيالسي: ص 293، والدارقطني: ص 237.
3 الدارقطني: ص 237.
4 كذا في نسخة الدار أيضاً، ولكن في نسخة الدارقطني المطبوعة "عمرو بن خلف".
5 البخاري في "الصوم" ص 264، وفي "الأدب" ص 906 بإسناد واحد.

الصفحة 465