كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ1 عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ بِهِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّفِّ خَلْفَهُ، انْتَهَى. قَالَ: فَهَذَا شُعْبَةُ قَدْ خَالَفَ زَائِدَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَهُمَا ثَبْتَانِ حَافِظَانِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: "أَصُلِّيَ بِالنَّاسِ"؟ قُلْنَا: لَا، الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ: فَخَرَجَ بَيْنَ ثُوَيْبَةَ. وَبَرِيرَةَ، فَأَجْلَسَتَاهُ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَهُوَ جَالِسٌ، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ خَالَفَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ، عَاصِمَ بْنَ أَبِي النَّجُودِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا، قَالَ وَعَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ. وَنُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ حَافِظَانِ ثِقَتَانِ.
قَالَ: وَأَقُولُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ كُلَّهَا صَحِيحَةٌ، لَيْسَ فِيهَا تَعَارُضٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ صَلَاتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ2: فِي إحْدَاهُمَا: كَانَ إمَامًا، وَفِي الْأُخْرَى كَانَ مَأْمُومًا، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي خَبَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام خَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ: الْعَبَّاسِ. وَعَلِيٍّ، وَفِي خَبَرِ مَسْرُوقٍ عَنْهُمَا: أَنَّهُ عليه السلام خَرَجَ بَيْنَ: بَرِيرَةَ.
__________
وهو مكشوف، لم يعتمد عليه ابن حبان في هذه المسألة، إذ لفظ حديث أم سلمة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في وجعه، إذا خفّ عنه ما يجد، خرج فصلى بالناس: وإذا وجد ثقله، قال: مروا الناس، فليصلوا، فصلى بهم ابن أبي قحافة يوماً الصبح، فصلى ركعة فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلس إلى جنبه، فائتم بأبي بكر، فلما قضى أبو بكر الصلاة أتم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما فاته، اهـ. وفي حديث أبي سعيد، قال: لم يزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وجعه، إذا وجد خفة خرج، وإذا ثقل وجاءه المؤذن، قال: "مروا أبا بكر يصلي بالناس"، الحديث وفي طريق آخر له: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في مرضه بصلاة أبي بكر ركعة من الصبح، ثم قضى الركعة الباقية، قال محمد بن عمر: رأيت هذا الثبت عند أصحابنا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى خلف أبي بكر، اهـ. وقد قال ابن حبان أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في مرضه الذي مات فيه صلاتين في المسجد، اهـ. وقال الشافعي في "كتاب الأم" ص 185 ج 2: مرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أياماً وليالي، ولم يبلغنا أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بالناس إلا صلاة واحدة.
وبعد: يشكل حديث أم الفضل عند الترمذي في "باب القراءة في المغرب" ص 41، قالت: خرج إلينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه، فصلى المغرب، فقرأ "بالمرسلات" فما صلاها بعد، حتى لقي الله عز وجل، اهـ. إلا أن المصرح عند الطحاوي: ص 125، والنسائي: ص 154، و"مسند" أحمد: ص 338 ج 6، أن هذه الصلاة كانت في البيت، اهـ.
1 أجمل في الذكر، ولم يذكر من روى عن شعبة، لينظر كيف حاله، قلت: قال ابن حزم في "المحلى" ص 67 ج 3: حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثني أحمد بن عون الله حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني حدثنا محمد بن بشار حدثنا بدل بن المحبر حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة به، اهـ.
2 قلت: وإليه مال ابن حزم في "المحلى" ص 67 ج 3 قال: إنهما صلاتان متغايرتان بلا شك.

الصفحة 48