كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا كُرِهَتْ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ. فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَفْطَرَ هَذَانِ"، ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ عليه السلام بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ، وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، لِأَنَّهُ شَاذُّ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ، وَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا سَالِمًا مِنْ الشُّذُوذِ، وَالْعِلَّةِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَا هُوَ فِي الْمُصَنَّفَاتِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا فِي السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ، وَلَا فِي الْمَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ، وَهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ أَشَدَّ احْتِيَاجٍ، وَلَا نَعْرِفُ أَحَدًا رَوَاهُ فِي الدُّنْيَا إلَّا الدَّارَقُطْنِيّ، رَوَاهُ عَنْ الْبَغَوِيّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ بِهِ، وَكُلُّ مَنْ رَوَاهُ بَعْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ إنَّمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعْرُوفًا لَرَوَاهُ النَّاسُ فِي " كُتُبِهِمْ " , وَخُصُوصًا الْأُمَّهَاتِ " كَمُسْنَدِ " أَحْمَدَ , " وَمُصَنَّفِ " ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ , " وَمُعْجَمِ " الطَّبَرَانِيِّ , وَغَيْرِهِمَا , ثُمَّ إنَّ خَالِدَ بْنَ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيَّ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُثَنَّى، وَإِنْ كَانَا مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِمَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي خَالِدٍ: لَهُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، مُفْرِطُ التَّشَيُّعِ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: كَانَ مُعْلِنًا بِسُوءِ مَذْهَبِهِ، وَمَشَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا ابْنُ الْمُثَنَّى، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْآجُرِّيُّ: سَأَلْت أَبَا دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ: لَا أُخَرِّجُ حَدِيثَهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَقَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ، وَقَالَ السَّاجِيُّ: فِيهِ ضَعْفٌ، لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ حَدِيثٍ، وَقَالَ الْمَوْصِلِيُّ: رَوَى مَنَاكِيرَ، وَذَكَرَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "الضُّعَفَاءِ"، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَى أَكْثَرِ حَدِيثِهِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ الدَّارِعُ ثَنَا أَبُو دَاوُد سَمِعْت أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، وَكَانَ ضَعِيفًا مُنْكَرَ الْحَدِيثِ، وَأَصْحَابُ الصَّحِيحِ إذَا رَوَوْا لِمَنْ تُكَلِّمَ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ يَدَعُونَ مِنْ حَدِيثِهِ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، وَيَنْتَقُونَ مَا وَافَقَ فِيهِ الثِّقَاتِ2، وَقَامَتْ شَوَاهِدُهُ عِنْدَهُمْ، وَأَيْضًا فَقَدْ خَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ ثَابِتٍ، أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، فَرَوَاهُ بِخِلَافِهِ، كَمَا هُوَ فِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ"،
__________
1 الدارقطني: ص 239، وعند البيهقي: ص 268 ج 4، والحازمي: ص 109.
2 كانت العبارة ههنا في "النسخة المطبوعة القديمة" وفي "نسخة الدار" وغيرها، أيضاً هكذا: "فإنهم يتفون من حديثه ما تفرد به، ويدعون ما وافق فيه الثقات" ولما كانت هي مختلة المراد، أصلحناها كما تراه الآن "البجنوري".

الصفحة 480