كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

وَثُوَيْبَةَ1 انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ الْبُخَارِيِّ2 مَا يَقْتَضِي الْمَيْلَ إلَى أَنَّ حَدِيثَ: إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا، مَنْسُوخٌ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ عليه السلام آخِرُ مَا صَلَّى صَلَّى قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ، فَالْآخِرُ مِنْ فِعْلِهِ عليه السلام، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ لَمْ يَرَ بِالنَّسْخِ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ فِي "صَحِيحِهِ": وَفِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَلَّى قَاعِدًا، كَانَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا، وَأَفْتَى بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ3: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَأُسَيْدُ بْنُ حضير4. وقيس بن قهد، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ هَذَا، بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ. وَلَا مُنْقَطِعٍ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَالْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ أَفْتَى بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ خِلَافُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلَا وَاهٍ. فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْ التَّابِعِينَ أَيْضًا، وَأَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ ذَلِكَ فِي الْأُمَّةِ: الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ، وَأَخَذَ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، ثُمَّ أَخَذَهُ عَنْ حَمَّادٍ أَبُو حَنِيفَةَ، ثُمَّ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَأَعْلَى حَدِيثٍ احْتَجُّوا بِهِ، حَدِيثٌ5 رَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ عليه السلام: "لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا"، وَهَذَا لَوْ صَحَّ إسْنَادُهُ لَكَانَ مُرْسَلًا، وَالْمُرْسَلُ عِنْدَنَا. وَمَا لَمْ يُرْوَ سِيَّانِ، لِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا إرْسَالَ تَابِعِيٍّ. وَإِنْ كَانَ ثِقَةً، للزمنا قَبُولُ مِثْلِهِ عَنْ أَتْبَاعِ التابعين، وإذا قلنا: لزمنا قَبُولُهُ مِنْ أَتْبَاعِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى أَنْ يُقْبَلَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، إذَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي هَذَا نَقْضُ الشَّرِيعَةِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ أبا حنيفة يجرح جابر الْجُعْفِيِّ وَيُكَذِّبُهُ، ثُمَّ لَمَّا أَخْطَرَهُ الْأَمْرُ جَعَلَ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَنَا بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْقَطَّانُ بِالرَّقَّةِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ6 سَمِعْت أَبَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ سَمِعْت أَبَا حَنِيفَةَ، يَقُولُ: مَا رَأَيْت فِيمَنْ لَقِيت أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءٍ، وَلَا لَقِيت فِيمَنْ لَقِيت أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، مَا أَتَيْته بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي قَطُّ إلَّا جَاءَنِي فِيهِ بِحَدِيثٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَرْجَمَةَ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ هَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ7، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ:
__________
1 في نسخة "ثويبة" ضبطه الحافظ "بالنون المضمومة، بعدها الواو الساكنة، ثم الموحدة".
2 في "كتاب المرضى في باب المرضى، إذا عاد مريضاً فحضرت الضلاة" ص 845، وقال البخاري في "باب إنما جعل الامام ليؤتم به" ص 96: إنما يؤخذ بالآخر، الخ.
3 قال الحافظ في "الفتح" ص 146 ج 2: قد أمَّ قاعد جماعة من الصحابة، ثم ذكر هؤلاء، وذكر من خرج آثارهم، وصحح أسانيدها
4 وله حديث مرفوع: إذا صلى قاعداً فصلوا خلفه قعوداً، عند الحاكم: ص 289 ج 3 وصححه.
5كيف يستدل بهذا لأبي حنيفة، وأنه أجاز إمامة القاعد، إنما منع قعود غير المريض، وهذا شيء آخر.
6 في نسخة "الجوزاء".
7 ص 153 والبيهقي في "سننه" ص 80 ج 3 وضعفه.

الصفحة 49