كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

فِي "كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ": وَهِيَ رِوَايَةٌ مُرْسَلَةٌ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا رَوَاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِسَنَدٍ فِيهِ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ مَثَالِبَ فِي دِينِهِ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَثِيرًا مَا يُرْسِلُ1، ولا يذكر منه حَدَّثَهُ، حَتَّى قَالُوا: إنَّ جَمِيعَ مَسْمُوعَاتِهِ سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا2، وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، جَمَعَهَا الْحُمَيْدِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ، هُوَ أَنْ يُحْمَلَ أَحَادِيثُهُ كُلُّهَا عَلَى السَّمَاعِ الْمُتَّصِلِ، حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجٍ، أَنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ بِوَاسِطَةٍ، فَيُقَالُ حِينَئِذٍ: إنَّهُ مُرْسَلٌ، وَذَلِكَ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْعَبَّاسِ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ 3" مِنْ حَدِيثِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ أَرَقْمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْعَبَّاسِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَقَرَأَ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُ هَذَا الْكَلَامَ يُرْوَى إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ 4
__________
1 قلت: مراسيل الصحابة مقبولة بالإجماع، وإن لم يحضر الواقعة، بل وإن خالف من حضر الواقعة، كذا في "الفتح" ص 185 ج 3، وإنما يرده من يرد المراسيل، مرسل صحابي رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو لا يميز، كما قال السخاوي في "فتح المغيث" ص 62: رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يسمع منه شيئاً، كما قاله الحافظ في "الفتح" وابن عباس ليس منهم، باعتراف من يتعلل بأنه سمع سبعة عشر حديثاً، والله أعلم.
2 قد تكلم العلماء في عدة الأحاديث التي صرح ابن عباس بسماعها من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان من الغريب قول الغزالي في "المستصفى"، وقلده جماعة: إنها أربعة، ليس إلا، وعن يحيى القطان. وابن معين. وأبي داود "صاحب السنن" تسعة، وعن غندر: عشرة، وعن بعض المتأخرين: إنها دون العشرين، من وجوه صحاح، وقد اعتنى شيخنا بجمع الصحيح. والحسن فقط، من ذلك، فزاد على الأربعين، سوى ما هو في حكم السماع، كحكاية حضور شيء فعل في حضرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأشار شيخنا لذلك عقب قول البخاري في الحديث الثالث، من باب العشر من الرقاق: هذا مما يعد أن ابن عباس سمعه "فتح المغيث" ص 63، وراجع له "فتح الباري" ص 331 ج 11.
2 ورواه أحمد في "مسنده" ص 209 ج 1 عن يحيى بن آدم عن قيس بن ربيع به، ولفظه: فقرأ من المكان الذي بلغ أبو بكر رضي الله عنه من السورة، اهـ. ورواه الدارقطني في "سننه" ص 153 من حديث يحيى بن آدم به، سواء بسواء، إلا أن فيه عبد الملك بن أرقم بن شرحبيل، بدل: أرقم بن شرحبيل.
4 رواه ابن ماجه في "باب صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه" ص 88، قال الحافظ في "الفتح" ص 629 ج 5 أخرجه أحمد. وابن ماجه بسند قوي، وصححه الحافظ من رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس، وحسن الحديث، في: ص 145 ج 2، قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 235 ج 1، وفي "مشكله" ص 27 ج 2، وأحمد: ص 355 ج 1، وص 357 ج 1، وص 357، وابن سعد في "طبقاته" ص 130 ج 3 في الحصة الأولى، والبيهقي في "سننه" ص 81 ج 3، كلهم من حديث أسرائيل عن أبي اسحاق عن أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس وأحمد في "مسنده" ص 331 ج 1 من حديث زكريا بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق به، فالاسناد إلى ابن عباس صحيح، غاية ما يقال فيه: إنه مرسل، فماذا؟ لا سيما، وقد علم أنه ابن عباس، وأنه صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الصفحة 51