كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1، وَفِي لَفْظٍ: بَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ، قَالَ:
__________
1 قوله: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الخ: استدل الشافعية بهذا اللفظ، على أن أبا هريرة كان حاضراً عند واقعة ذي اليدين، لاتفاق الجميع على أن أبا هريرة أسلم عام خيبر، سنة سبع، وأن ذا الشمالين استشهد ببدر، فذو اليدين، غير ذي الشمالين:
وأجاب عنه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 261: بما روى عن ابن عمر أن إسلام أبي هريرة كان بعد قتل ذي اليدين، وإنما قول أبي هريرة: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يعني بالمسلمين" وهذا سائغ في اللغة، ثم روى عن النزال بن سبرة، قال: قال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنا وإياكم ندعي ابن عبد مناف"، الحديث، وقال: نزال بن سبرة لم ير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: روى عن طاوس أنه قال: قدم علينا معاذ بن جبل، وأراد به قدومه اليمن، لأن قدومه كان قبل أن يولد طاوس، وقال: روى عن الحسن، قال: خطبنا عتبة بن غزوان، يريد خطبته بالبصرة، والحسن لم يكن بالبصرة رحمه الله، اهـ. قلت: ما قال الطحاوي سائغ، وله أمثلة كثيرة: منها ما رواه هو في "شرح الآثار" ص 245 عن ابن أبي ليلى، قال: خطبنا عمر، وفي ص 209، قال: صلى بنا عمر، وفي النسائي: ص 209 في "كتاب الجمعة" عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عمر، اهـ. وروى البيهقي في "سننه الكبير" ص 168 ج 4 عن الحسن، قال: خطبنا ابن عباس بالبصرة، وقال: قال علي بن المديني: الحسن لم يسمع من ابن عباس، وما رآه قط، قال: إنما هو كقول ثابت: قدم علينا عمران بن حصين، ومثل قول مجاهد: خرج علينا علي، وكقول الحسن: إن سراقة بن مالك حدثهم، وروى البيهقي في "سننه" ص 491 ج 2 عن الحسن، قال: أمَّنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قلت: قالوا: إن الحسن لم يصح لقاءه لعلي رضي الله عنه، وأخرج أبو داود في "الخراج في باب كيف إخراج اليهود من المدينة" ص 66 ج 2 عن أبي هريرة أنه قال: بينا نحن في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر قصة إخراج اليهود، وكان هذا قبل حنين، وقبل إسلام أبي هريرة رضي الله عنه، وروى البخاري في "الحدود" ص 1002 عن السائب، قال: نؤتي بالشارب في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَن فنقوم إليه، الحديث، قال الحافظ في "الفتح" ص 59 ج 12:إسناد القائل الفعل بصيغة الجمع التي يدخل هو فيها مجاز، لان السائب كان صغيراً جداً في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان المراد بقوله: كنا، أي الصحابة، اهـ. وروى أبو داود في "باب الصلاة على المسلم يموت بأرض الشرك" ص 101 ج 2 عن أبي موسى الأشعري، قال: أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ننطلق إلى أرض النجاشي، الحديث.
قلت: إن أبا موسى أول ما لقى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام خيبر، وقد رجع عن الحبشة مع جعفر رضي الله عنه، ومن هذا الباب حديث زيد بن أرقم، عند ابن حبان، قال: معنى قول زيد: كنا نتكلم، أي كان قومي يتكلمون.
فإن قلت: هب أن هذا شائع في اللغة جائز، إذا كان بصيغة الجمع، وأما في لفظة: بينا أن أصلي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا مساغ له، وقد روى مسلم من حديث يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة بهذا اللفظ، قلنا: إذا ثبت أن أبا هريرة إنما أسلم بعد قتل ذي اليدين، وأن ذا اليدين هو ذو الشمالين، وأنه قتل ببدر، فاليؤوّل هذا اللفظ أيضاً، بما يؤوّل به أمثاله، روى الحاكم في "المستدرك" ص 48 ج 4 باسناد رواته ثقات عن أبي هريرة، قال: دخلت على رقية بنت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واتفقوا على أن رقية توفيت في السنة الثانية من الهجرة، في رمضان، قبل إسلام أبي هريرة بخمس سنين، وروى الدارقطني في "سننه" ص 232 عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كنت عند عمر، الحديث، وقال ابن معين لم يثبت سماع ابن أبي ليلى من عمر، اهـ. فنقول فيه: لعلّ أصل الحديث: دخلنا، وكنا فغيَّرة بعض الرواة إلى هذا، وهذا، وإن لم نعثر عليه في رواية، لكن لابد له إذا حفظنا الراوي عن نسبة الخطا إليه، وأما حديث يحيى الذي عند مسلم، فاللفظ الذي استدل به هو من رواية شيبان بن عبد الرحمن عن يحيى، وهو ابن أبي كثير عن أبي سلمة، انفرد به شيبان من أصحاب يحيى، ويحيى مدلس، روى عن أبي سلمة بالعنعنة، وروى ابن المبارك الحديث عن يحيى، ولم يذكر هذا اللفظ، وروى الطحاوي الحديث: ص 258،

الصفحة 70