كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

وَاَلَّذِي قُتِلَ بِبَدْرٍ إنَّمَا هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ، اسْمُهُ "عُمَيْرُ بْنُ عَمْرٍو" خُزَاعِيٌّ، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ، بَعْدَ بَدْرٍ بِخَمْسِ سِنِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" أَيْضًا: وَهَمَ الزُّهْرِيُّ فِي قَوْلِهِ: ذُو الشِّمَالَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ، وَذُو الشِّمَالَيْنِ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ فِيمَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ، وَذُو الْيَدَيْنِ1 بَقِيَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يُقَالُ2 وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَذُو الشِّمَالَيْنِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ، حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، مِنْ خُزَاعَةَ، اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ، هَكَذَا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: لَا عَقِبَ لَهُ، وَأَمَّا ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ3: فِي حَدِيثِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَشُعَيْبُ بْنُ مُطَيْرٍ4 يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ ذِي الْيَدَيْنِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ بعد حديث ذو الْيَدَيْنِ، لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ مِنْ مُتَقَدِّمِي الصَّحَابَةِ، رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ عَشَرَةَ غَزْوَةً، وَأَبُو هُرَيْرَةَ إنَّمَا صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ، وَصَحِبَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ، أَوْ أَرْبَعًا، رُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: صَحِبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ فَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا، لِأَنَّهُ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَشَهِدَ بَدْرًا، ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي "مَغَازِيهِ"، وَهِيَ أَصَحُّ الْمَغَازِي عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ: رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ عَنْ
__________
من طريق حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثنا أبو سلمة، قال: حدثنا أبو هريرة، قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ذكر نحوه، اهـ فطريق حرب الذي فيه التصريح بتحديث أبي سلمة يحيى يوافق سائر من روى عن أبي سلمة. وأبي هريرة بلفظ الجمع، فطريق شيبان إما وهم منه، وتصرف في الرواية، خالف به جميع من روى عن يحيى بن أبي كثير. وأبي سلمة. وأبي هريرة، أو من تدليس يحيى. فبالجملة: هذا أخف وأهون من تخطئة الزهري. وعمران بن أبي أنس. وأيوب عن ابن سيرين.
وتأويل ما في الحديث من قوله: قالوا: صدق، لم تصلّ إلا ركعتين، وقوله: قالوا: نعم يا رسول الله، وغير ذلك مما أجاب به القوم نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بأومأوا" وقولهم: بأن ذا اليدينن قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بعض ذلك، قد كان يا رسول الله، وكان يظن أنه أتم صلاته، وقد سمع من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل ذلك: لم تقصر الصلاة، وغير ذلك من التأويلات التي لا يسوى بها الحديث على ما هم عليه الآن من مذهبهم، فمن ارتكب هذه الأمور كلها لتسلم له: بينا أنا أصلي، في رواية شيبان، فهو كمن حفظ بيتاً، وهدم مدينة، والله أعلم، وعلمه أتم.
1 قلت: أخرج الطحاوي: ص 261 من طريق العمري عن نافع عن ابن عمر أنه ذكر له حديث ذي اليدين، فقال: كان إسلام أبي هريرة بعد ما قتل ذو اليدين، اهـ. رواته ثقات، إلا العمري، وهو عبد الله بن عمر ابن حفص، قال الذهبي: صدوق، في حفظه شيء، اهـ. وقال أيضاً في "الميزان": قال ابن معين في نافع: ثقة صالح، اهـ.
2 أشار إلى ضعف مستند هذا القول، كما ستقف في الكلام على قول السهيلي إن شاء الله تعالى.
3 قلت: أخرج حديثه مسلم: ص 214، وأحمد في "مسنده" ص 433 ج 2 عن حسن بن موسى حدثنا شيبان بن عبد الرحمن حدثنا يحيى، فذكره، أجاب عنه الشيخ النيموي، بأن المراد به سليم بن ملكان، وهو من "خزاعة" لا سليم بن منصور، الذي ليس بخزاعي، اهـ.
4 أخرج حديث شعيب هذا أحمد في "مسنده" ص 77 من حديث معدي بن سليمان حدثنا شعيب بن مطير عن أبيه، قال: النيموي هذه سلسلة الضعفاء، ثم ذكر ضعف كل واحد منهم.

الصفحة 71