كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ1، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النَّجَاشِيِّ، وَهُمْ ثَمَانُونَ رَجُلًا، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِي آخِرِهَا: فَبَادَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَجَاءَ فَشَهِدَ بَدْرًا، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ، كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ الْحُمَيْدِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَدِيثِ: كَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ بَدْرٍ، وَقَدْ حَضَرَ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهُ: الْخِرْبَاقُ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ كَانَ إسْلَامُهُ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرَيْنِ، وَقَدْ حَضَرَ قِصَّةَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَرَوَيْنَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: كَانَ إسْلَامُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ عليه السلام بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ2 وَقَوْلُهُ: "إنَّ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ"، أَيْ الْكَلَامُ الْعَمْدُ الَّذِي يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فِي كَلَامِ السَّهْوِ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ النَّسْخِ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ3، وَأَسْنَدَ إلَى عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إلَى الْحَجَرِ لِيَسْتَلِمَهُ، فَسَبَّحَ بِهِ الْقَوْمُ، فَالْتَفَتَ إلَيْنَا، وَقَالَ: مَا أتممنا الصلاة؟ فقلنا برؤوسنا: لَا، فَرَجَعَ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَا أَمَاطَ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ4": رَوَى الزُّهْرِيُّ حَدِيثَ التَّسْلِيمِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَالَ
__________
1 لابن مسعود هجرتان إلى الحبشة، كما قال ابن سعد وغيره من أهل السير، قال ابن حجر في "الفتح" ص 60 ج 3: أراد ابن مسعود رجوعه الثاني، وقد ورد أنه قدم المدينة، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتجهز إلى بدر، اهـ. ثم استدل على ذلك، ثم قال: فظهر أن اجتماعه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد رجوعه إلى الحبشة، كان بالمدينة.
2لم يأمره بالاعادة، قلت: أما قوله عليه السلام: هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن فهذا أعم للمتعمد. والناسي، فكلام معاوية إن كان من كلام الناس، فقد أمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإعادة الصلاة، وأما إنه عليه السلام لم يأخذه بيده، ولم يخرجه من المسجد، ولم يهيء له الوضوء، فهذا لم يفعله عليه السلام، لأن في قوله كفاية لمن اكتفى، والله أعلم.
3قلت: ورواه الطيالسي في "مسنده" ص 346، والبيهقي: ص 26 ج 2 عن حماد بن زيد عن عسل بن سفيان التميمي عن عطاء، فذكره، وعسل بن سفيان ضعيف، ورواه الطحاوي: ص 256، وفيه جابر، وهو ضعيف، وروى البيهقي من طريق أخرى، وفيه الحارث بن عبيد، ضعفه ابن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أحمد: مضطرب الحديث، وعنه قال: لا أعرفه.
4قوله: قال السهيلي في "الروض الأنف"، الخ: قلت: أخطأ السهيلي في هذه العبارة في مواضع:
الأول: إن الحديث الذي استدل به هو. والبيهقي. وشيخه أبو عبد الله الحاكم على تأخر موت ذي اليدين، رواه أحمد في "مسنده" ص 77 ج 4، والبيهقي في "السنن الكبرى" ص 366 ج 2 من طريق معدي بن سليمان عن شعيب بن مطير عن أبيه، وهؤلاء كلهم ضعفاء، رد بهذه الرواية الضعيفة على الزهري، وهو: إمام الحديث. والمغازي، قال ابن تيمية في "فتاواه" ص 145 ج 2: إن الزهري من أعلم الناس في زمانه بالسنة، اهـ.
والثاني: أنه ظن أن مطيراً هو ابن لذي اليدين، وهذا غلط أيضاً، فان مطيراً هذا، مطير بن سليم الوادي، ذكره ابن حجر في "التهذيب" وسياق الحديث الذي استدل به يرده أيضاً، فان فيه قال شعيب لأبيه مطير: =

الصفحة 72