كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

فِيهِ: فقال ذُو الشِّمَالَيْنِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، فَقَالَ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ عليه السلام: "أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ " لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ هَكَذَا إلَّا الزُّهْرِيُّ، وَهُوَ غَلَطٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا هُوَ: ذُو الْيَدَيْنِ السُّلَمِيُّ، وَاسْمُهُ "خِرْبَاقٌ وَذُو الشِّمَالَيْنِ"، قُتِلَ بِبَدْرٍ، وَالْحَدِيثُ شهده أبي هُرَيْرَةَ، وَكَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ، وَمَاتَ ذُو الْيَدَيْنِ السُّلَمِيُّ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ ابْنُهُ مُطَيْرُ بْنُ الْخِرْبَاقِ، وَرَوَاهُ عَنْ مُطَيْرٍ ابنه شعيب بن مطر، وَلَمَّا رَأَى الْمُبَرِّدُ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: ذُو الْيَدَيْنِ، هو: ذو الشمالين، كما يُسَمَّى بِهِمَا جَمِيعًا، ذَكَرَهُ فِي آخِرِ "كِتَابِهِ الْكَامِلِ"، وَجَهِلَ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ، انْتَهَى.
__________
= يا أبتاه! إنك أخبرتني أنه لقيك ذو اليدين بذي الخشب، فأخبرك، وهذا السياق يأبى أن يكون مطير ابناً لذي اليدين، والله أعلم.
والثالث: أنه زعم أن إسلام أبي هريرة كان بعد بدر بسنتين، وهذا بمعزل عن الصواب، لأن وقعة بدر كانت في رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وأسلم أبو هريرة عام خيبر، ووافى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، وغزوة خيبر كانت في السنة السابعة عند الجمهور الذين أول عامهم من المحرم، وفي آخر السنة السادسة عند من يظن أن ابتداء السنة من ربيع الأول، كابن حزم، ومن وافقه، وبين بدر. وخيبر أكثر من أربع سنين.
والرابع: أنه ظن أن الزهري منفرد بذكر ذي الشمالين، وهذا أيضاً خطأ، فإنه كما روى الزهري هذا الحديث عن أبي سلمة. وأبي بكر بن سليمان. وابن المسيب. وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة، روى حديثه النسائي: ص 183، والدارمي: ص 185، وأحمد: ص 271 ج 2، ومالك: ص 33. وسماه بذي الشمالين، كذلك روى عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وسماه بذي الشمالين، وروى حديثه النسائي: ص 182، والطحاوي: ص 258، وروى أحمد في "مسنده" ص 284 ج 2 عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة الحديث، وفيه: فقال ذو الشمالين: أخففت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما يقول ذو اليدين؟! " الحديث، وهذه من رواية الثقات الإثبات، كما ترى.
والعجب من السهيلي، وكل من يفرق بين ذي اليدين. وذي الشمالين أنهم يعتمدون فيه على رواية معدي بن سليمان عن شعيب عن مطير، وهم ضعفاء، ولم أر لهم مسنداً غيرها، ويردون بها رواية الزهري عن أبي سلمة. وأبي بكر بن سليمان. وابن المسيب. وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة، ورواية عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ورواية أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، ورواية أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، وأن السهيلي يرد بها على مبرد، ويزعم أنه رأى إسناد الزهري فقط، والحال أن المتن الذي ذكره المبرد ليس من سياق الزهري في شيء، بل لو قال: إنه رأى طريق ابن سيرين فقط لكان له وجه، لأنه قال في "الكامل" ص 308 ج 3: ومنهم، أي من الأزواء، ثم من خزاعة، ذو اليدين، سماه بذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذا اليدين وكان قبل يدعى: ذا الشمالين، الخ. وهذا يرشدك إلى أنه كان له اسم يسمى به، وهو: ذو الشمالين، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسميه بهذا الاسم لتشاؤمه، كما في حديث الصدقة: "الصدقة يأخذها الله بيمينه، وكلا يديه يمين"، وكان يسميه بذي اليدين، صوناً له عن نبزه باللقب الجاهلي، كما سمى "مهاجره" بالمدينة، وكان قبل يسمى: بيثرب، وسمى "العتمة" بالعشاء، وهذا مصرح في طريق ابن سيرين، بعضه في البخاري: ص 164، وص 894 من طريق يزيد بن إبراهيم عنه، ولفظه: وفي القوم رجل كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوه ذو اليدين، والبعض في طريق أيوب عنه، عند أحمد: ص 284 ج 2، كما ذكرته آنفاً، ولهذا تراهم يتفقون على لفظة: ذي اليدين، فيما ينقلون من ألفاظه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما يذكر الزهري. وعمران. ومحمد بن سيرين من لفظ أبي هريرة، فيما يسميه من عند نفسه، والله أعلم.
وأطنب الكلام في هذا المرام ابن التركماني في "الجوهر النقي" والشيخ النيموي في "آثار السنن" فارجع إليهما.

الصفحة 73