كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

قُلْت: وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ1: ذُو الْيَدَيْنِ، وَيُقَالُ: ذُو الشِّمَالَيْنِ، اسْمُهُ عُمَيْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ مِنْ خُزَاعَةَ، انْتَهَى. الْجَوَابُ الثَّانِي لِأَصْحَابِنَا: عَنْ حديث ذِي الْيَدَيْنِ، قَالُوا: إنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَغَيْرَهُمَا مِنْ النَّاسِ تَكَلَّمُوا عَامِدِينَ، وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ هَذَا بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا، وَلَكِنَّهُمْ أَشَارُوا، وَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، أنهم أومأوا2 أَيْ نَعَمْ، وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُمْ قَالُوا: نَعَمْ، إنَّمَا هُوَ تَجَوُّزٌ، وَنَقْلٌ بِالْمَعْنَى، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ: قُلْت بِرَأْسِي: نَعَمْ. الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُلُّ كَلَامٍ كَانَ جَوَابًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَيْرُ مَنْسُوخٍ جَوَازُهُ فِي الصَّلَاةِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى3 قَالَ: كُنْت أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ أُجِبْهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أُصَلِّي، فَقَالَ: أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} ؟ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ جَوَابَ الرَّسُولِ وَاجِبٌ، لَمْ يُبْطِلْ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي"الْإِمَامِ": وَبِهَذَا الْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِكَلَامٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ لَا يُبْطِلُ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ4: تَحْرِيمُ الْكَلَامِ إنَّمَا كَانَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ سَكَتُوا،
__________
1 "طبقات ابن سعد" ص ج 118 ج 3 من الحصة الأولى، وهكذا قال ابن حبان في ثقاته: ذو اليدين، ويقال: ذو الشمالين أيضاً، ابن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي، وقال أيضاً: ذو الشمالين، عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عامر ابن الحارث بن غيثان الخزاعي، حليف بني زهرة، اهـ: وقال أبو عبد الله محمد بن يحيى العدني في "مسنده" قال أبو محمد الخزاعي: ذو اليدين أحد أجدادنا، وهو ذو الشمالين، اهـ. قال النيموي في "آثار السنن وفي مجمع الزوائد" ص 152 ج 2 عن ابن عباس، قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً، ثم سلم، فقال له ذو الشمالين: أنقصت الصلاة، الحديث، رواه البزار. والطبراني في "الكبير" وفيه: جابر الجعفي، وثقه شعبة. والثوري. وضعفه الناس، اهـ.
2قوله: فأومأوا الخ: قال أبو داود في "باب السهو في السجدتين" ص 152: لم يقل فأومأوا إلى حماد ابن زيد، اهـ. وقال الدارقطني" ص 140، قال أبو داود: وكل من روى هذا الحديث لم يقل: فأومأوا، إلا حماد ابن زيد، وقال البيهقي في: ص 357 ج 2، بعد ذكر قول أبي داود، وقال الشيخ: ولم يبلغنا إلا من جهة أبي داود عن محمد بن عبيد عن حماد بن زيد، وهم ثقات أئمة، اهـ. قلت: روى أبو الربيع الزعفراني عن حماد، عند مسلم، ولم يقل: فأومأوا، وروى أسد عن حماد، عند الطحاوي، وقال: نعم، وكذا سليمان بن أيوب، عند الدارقطني، وروى مسلم من حديث ابن عيينة عن أيوب، ولفظه: صدق، لم تصل إلا ركعتين، وروى النسائي من حديث الزهري، وفيه: صدق يا رسول الله.
3 عند البخاري ص 749.
4 قال الحافظ في "الفتح" ص 60 ج 3: أما قول ابن حبان: كان النسخ بمكة قبل الهجرة، بثلاث سنين، قال: ومعنى قول زيد بن أرقم: كنا نتكلم، أي كان قومي يتكلمون، لأن قومه كانوا يصلون قبل الهجرة مع مصعب بن عمير، وكان يعلمهم القرآن، فلما نسخ الكلام بمكة، بلغ ذلك أهل المدينة، تركوه، فهو متعقب بأن الآية مدنية بالاتفاق، وبأن إسلام الأنصار، وتوجه مصعب بن عمير إليهم إنما كان قبل الهجرة بسنة واحدة، وبأن في حديث زيد بن أرقم: كنا نتكلم خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كذا أخرجه الترمذي، فانتفى أن يكون المراد

الصفحة 74