كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 2)

يُصَلِّي، فَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى، فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ: ومعناه أن معه شيطان يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ، لَا أَنَّ الرَّجُلَ شَيْطَانٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُصَلُّوا إلَّا إلَى سُتْرَةٍ، وَلَا يَدَعُ الْمُصَلِّي أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ أَبَى، فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ"، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ1"، وَزَادَ: "يَعْنِي الشَّيْطَانَ"، انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ اسْمٌ لِكُلِّ مُتَمَرِّدٍ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَكُلُّ عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ، مِنْ الْإِنْسِ. وَالْجِنِّ. وَالدَّوَابِّ، فَهُوَ شَيْطَانٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي "الشِّفَاءِ": وَقَدْ اسْتَمَرَّ كَلَامُ الْعَرَبِ فِي وَصْفِهِمْ كُلَّ قَبِيحٍ مِنْ شَخْصٍ، أَوْ غَيْرِهِ بِالشَّيْطَانِ، قَالَ تَعَالَى: {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} ، وَقَالَ عليه السلام: "فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ"، وكلام الصِّحَاحِ أَخَصُّ مِنْ هَذِهِ، لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِالْحَيَوَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: "وَيَدْرَأُ" بِالْإِشَارَةِ، كَمَا فَعَلَ عليه السلام بِوَلَدَيْ أُمِّ سَلَمَةَ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ2" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ هُوَ قَاصُّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، أَوْ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ، فَرَجَعَ، فَمَرَّتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ، هَكَذَا، فَمَضَتْ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "هُنَّ أَغْلَبُ"، انْتَهَى. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" هَكَذَا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ مِنْ جِهَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ هَذَا لَا أَعْرِفُ مَنْ هُوَ، فَإِنَّ فِي طَبَقَتِهِ جَمَاعَةً بِاسْمِهِ، وَأُمُّهُ لَا تُعْرَفُ أَلْبَتَّةَ، فَالْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِهِمَا لَا يُعْرَفُ، انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْ فِي "كِتَابِ ابْنِ مَاجَهْ، وَمُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ" إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْقَطَّانِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ: عَنْ أُمِّهِ3، وَقَوْلُهُ: وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ لَا أَعْرِفُ مَنْ هُوَ، فَقَدْ عَرَّفَهُ ابْنُ مَاجَهْ، بِقَوْلِهِ: هُوَ قَاصُّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَفِي "تَهْذِيبِ الْكَمَالِ" أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، فَلْيُنْظَرْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 قلت: والطحاوي: ص 267، ولفظه: "فإن معه القرين".
2 في "باب ما يقطع الصلاة" ص 68.
3 قلت: قال ابن سعد في "طبقاته" ص 349 ج 8: أم محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، وأمها درة بنت عقبة بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، روت عن أم سلمة، زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: مر بعض بني سلمة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يصلي، اهـ.

الصفحة 85